جيرمي كوربن- صديق فلسطين- زعيماً لحزب العمال البريطاني... الطريق الملغمة نحو القمة

منذ 8 سنوات   شارك:

تكشف هذه الورقة النقاب عن طبيعة المستجد الذي طرأ على حزب العمال البريطاني المعارض متمثلاً بفوز الناشط اليساري - المعروف بصداقته لفلسطين - جيرمي كوربن برئاسة الحزب بتاريخ 14/9/2015 والانعكاس المتوقع لذلك على حضور القضية الفلسطينية في الشارع. بعد تقديم موجز عن شخصه وايدلوجيته وحزبه تطرقت الورقة الى هزيمة الحزب في الانتخابات العامة التي جرت في ايار من العام الجاري وما جلبته عليه وعلى أعضائه ومناصريه من شعور بالمرارة والألم أفرز في المقابل شعوراً متنامياً بضرورة التغيير. في هذا السياق جرى استعراض مواقفه من قضايا الداخل والخارج حيث تم إفراد حديث خاص عن علاقته بفلسطين. كما ناقشت الورقة محددات النجاح كشرط لديمومة الزعيم الجديد في قمرة القيادة والانعكاسات المتوقعة لذلك على القضية الفلسطينية. علاوة على ذلك تمّ التعريج على امكانيات الإطاحة به او الانقلاب عليه من قبل خصومه المعروفين بخصومتهم لفلسطين أيضاً في أروقة السياسة البريطانية.

تمهيد

لم تكن صدمة مجموعة (أصدقاء إسرائيل في حزب العمال البريطاني) عادية حين لم يأت جيرمي كوربن على ذكر كلمة إسرائيل طيلة خطابه في لقاء خاص دعته إليه المجموعة على هامش مؤتمر الحزب الذي انعقد في مدينة برايتون بين 27-30/9/2015. في المقابل كانت الدهشة كبيرة حين أتى على ذكر فلسطين وحقوق شعبها وضرورة رفع الحصار عن غزة والاعتراف بالدولة الفلسطينية مما حدا بأحد الجالسين الى الصراخ داعيا إياه الى مجرد ذكر اسم دولة إسرائيل لتشكل هذه المفارقة نذيراً ببداية حقبة صعبة سيعيشها اللوبي الصهيوني مع حزب العمال في ظل قيادته الجديدة.

اثنان وثلاثون عاماً مرت على وجود جيرمي كوربن في المعترك السياسي البريطاني نائباً في مجلس العموم منذ العام 1983، حيث عرف الرجل بمواقفه اليسارية المتأثرة الى حد كبير بالماركسية اللينينية والتي تلتقي بشكل او بآخر مع اشتراكية حزب العمال البريطاني وبرامجه الاجتماعية، وتشكل خلفيةً ايدلوجيةً نظريةً لها وان كانت بتفسيرات خاصة. السمة الاساسية التي لازمت الرجل هي تغريده لفلسطين وغيرها من مناطق الصراع حول العالم خارج سرب حزب العمال الذي حطم بسياساته الفوارق بين المنهج الاشتراكي الذي تبناه الحزب يوما ما والروح الامبريالية الرأسمالية التي تتلاشى فيها حدود الاخلاق والقيم في كثير من الاحيان. الا ان الأمل كان يحدوه كما العديد من أمثاله على أن تتاح لهم الفرصة يوماً لتصحيح مسار الحزب الذي انحرف بشكل لافت لا سيما في ظل رئاسة (توني بلير) له. من هنا كانت مواقف الرئيس الجديد لحزب العمال معارضة بشراسة للحرب البريطانية الامريكية على العراق في العام 2003 وما تبعها من سياسات ومواقف اتسمت بالخروج الفجّ على الشرعية الدولية الناظمة لقوانين الحرب. في هذه الاجواء أمكن التمييز بين اليسار الصلب ( hard left) والاخر الناعم ) soft left) فيما يتعلق بمنهج الحزب وايدلوجيته. فاليسار الصلب الذي يمثل كوربن أحد أعمدته الرئيسية في الحزب كان يميل الى المبدئية الاشتراكية في التعاطي مع الداخل والخارج، بينما ماعت لدى اليسار الناعم كل المبادئ التي نشأ عليها الحزب ولم تعد سياساته بالنسبة للمواطن البريطاني العادي أو المراقبين من الخارج مختلفة الى حد كبير عن نظيراتها لدى حزب المحافظين.

هزيمة أيار 2015 ... الصفعة التي لا زال صداها يتردد

كانت الهزيمة الانتخابية التي لحقت بحزب العمال أمام حزب المحافظين في انتخابات مجلس العموم البريطاني في ايار من العام 2015 شنيعة بشكل لم يكن بالإمكان معه الخروج من المأزق الا بخضة سياسية من نوع لم يكن بالحسبان. حالة الذهول التي سيطرت على الحزب وحجم النفور لدى الشارع البريطاني من سياساته وزعاماته التقليدية دفعت على الفور زعيمه السابق (ميليباند) الى القفز فورا من قمرة قيادة الحزب مرجعاً الأمر مجدداً إلى أعضاء الحزب كي يقرروا في نوعية القبطان الذي سيتولى إعادة ترميم ما حطمته زعامات سابقة أمثال بلير وبراون من قيم ومبادئ وسياسات (تقدمية) افتقدها الجمهور. إزاء هذه الصفعة الناتجة عن هامش الهزيمة التي بلغت حوالي المئة مقعد مقارنة بالمحافظين كان هنالك إحجام واضح عن الترشح لقيادة الحزب من قبل شخصيات كارزمية قد يشكل وجودها في هذا الموقع رافعة لما تهدم؛ مما حدا بثلاثة مرشحين كي يقدموا أنفسهم لهذه المهمة لا يتوفر في أي منهم ما هو مقنع شعبياً لانتخابه.

رابع هؤلاء كان (جيرمي كوربن) الذي تقدم لترشيح نفسه بعد أن استطاع بشق الانفس - فقط قبل دقيقتين من موعد اغلاق باب الترشح- اجتياز عتبة التأييد اللازمة من قبل نواب الحزب في مجلس العموم والبالغة 15% أي 35 نائباً. بعض هؤلاء النواب وقّعوا على طلبه للترشح فقط من أجل تجميل المشهد الانتخابي داخل الحزب، وقد كانوا على قناعة أن هذا المرشح القادم من المقاعد الخلفية في حزب العمال لن تكون له البتة حظوظ بالفوز، ولو علموا أن لديه مثل تلك الحظوظ ما أقدموا على ترشيحه كما أشار الى ذلك (جيرمي كوربن) ذاته في خطاب الفوز الذي ألقاه في أعقاب الإعلان عن نجاحه في الانتخابات الداخلية للحزب والتي شارك فيها ما يزيد على النصف مليون عضو. بعض أولئك النواب وصفوا أنفسهم لاحقاً بالاغبياء بسبب قيامهم بتأييد ترشيح (كوربن) معتبرين ذلك خطأ جسيماً وقعوا فيه. سرعان ما تحول هذا المكافح الستيني ذو الخبرة العميقة في السياسة الى النجم اللامع بين منافسيه أو بمعنى آخر الى حكيم الحزب الذي يملك بحكمته ومبدئيته وأخلاقيته المعروفة القدرة على إعادة بناء ما تردم عبر سياسات طائشة أودت بالحزب بعيداً عن سدة الحكم.

هنا بدأت استطلاعات الرأي تثبت يوماُ إثر آخر ألمعية هذا الزعيم القادم من المقاعد الخلفية في مجلس العموم الى قمة الحزب بسرعة فشل معها كل المحللين في التنبؤ بها أو تصورها متغلباً على كل منافسيه بفارق كبير. هذا التقدم وعلى فترات طويلة أدت بجناح (بلير- براون) الى التقدم بشدة لمواجهة القوة الكاسحة التي يتقدم بها (جيرمي كوربن)، مما حدا بالاثنين معا وفي مناسبات عدة الى التحذير من مغبة انتخابه باعتباره الوصفة الأكيدة لتدمير الحزب وتأبيده خارج الحكم عدا عن كونه سيودي بالحزب الى سلسلة قادمة من الكوارث والهزائم. رئيسا الوزراء السابقان عن حزب العمال رأوا في (جيرمي) رجلاً يسارياً (متطرفاً) لا تصلح أفكاره ورؤاه لقيادة بريطانيا نحو المستقبل وبناء شراكات مع قوى التقدم والتحضر الغربية. (براون) رأى أن رجلا يتصور الشراكة مع حماس وحزب الله وأمثالهما أولى من الشراكة مع حلفاء بريطانيا التقليديين لا يمكن ان يضمن لها مكاناً في المستقبل.

لكنّ خبرة الناخبين بجناح اليمين (بلير- براون) داخل الحزب اليساري محملةٌ بأكوام من الذكريات السيئة التي دفعت بالحزب الى هامش السياسة البريطانية منذ العام 2010 مما لعب دوراً عكسياً رفع من شعبية (كوربن) بدلاً من أن يحط منها كما أراد هؤلاء. وهكذا تحولت الشخصية التي دخلت المنافسة تسللاً لشخصية كارزمية تحظى باحترام قطاعات كبيرة من ناخبي حزب العمال والذين صوتوا له بأكبر تفويض في التاريخ السياسي للحزب بنسبة 59.5% متجاوزاً النسبة التي فاز بها بلير في العام 1994م والتي بلغت في حينه 57%. وهي رسالة حملت في طياتها معاني كثيرة ابرزها السأم من طبيعة الادارة السياسية التي تتحكم في مقاليد الحكم والسياسة والتي اتسمت بالمراوغة على الصعيد الداخلي واللاأخلاقية خارجياً. جاء تفوقه الكبير على ثلاثة المرشحين الآخرين مجتمعين في ذات السياق الذي فاز فيه حزب (سيريزا) اليوناني و(بوديموس) الاسباني ليشكل صوتاً مبدئياً مغايراً لما اعتاده السياسيون من قبل ومنهياً بهذا الفوز المرحلة التي اطلق عليها البليرية أو (BLAIRISM) نسبة الى توني بلير والذي حصلت مرشحته المنافسة لـ (كوربن) على مجرد 4.5% من أصوات الناخبين في الحزب.

لم يسلم (كوربن) في خضم الحملة الانتخابية بطبيعة الحال من هجوم اليمين البريطاني والصهيوني في آن واحد، إذ تم النبش في دفاتره من قبل الإعلام اليميني المناهض له ولمواقفه المعلنة على مدار مسيرته السياسية. فـ (ديفيد كاميرون) رئيس الحكومة وزعيم حزب المحافظين حذر من انتخاب (جيرمي) معتبراً الحزب بزعامته خطراً على الأمن القومي البريطاني. كما لاحقته القنوات التلفزيونية والصحف المملوكة من قبل رجل الاعلام والاعمال اليهودي المعروف (مردوخ) محرضة عليه ومعتبرة إياه شخصية غير صالحة لقيادة حزب العمال فضلاً عن إمكانية قيادته لرئاسة الوزراء في العام 2020. سوى أن كل تلك الحملات الممنهجة لم تتمكن من ثني الناخب العمالي من وضع ثقته بالرجل الذي عبر عن ذاته وتصوراته وبرامجه بشكل يعيد التذكير بالمبادئ الاشتراكية المؤسسة للحزب والتي تتناغم مع أحلام شريحة واسعة من الشعب البريطاني فضلاً عن الحزب ذاته.

مواقفه من قضايا الداخل والخارج

يقف (كوربن) على الصعيد الداخلي ضد سياسات التقشف الحكومية بلا مواربة، ويراها موجهة ضد الفقراء من الشعب. لذا فانه لا يتوانى عن الوعد بفرض المزيد من الضرائب على الأغنياء والشركات الكبرى كنوع من إعادة توزيع الثروة بشكل عادل بين طبقات الشعب. كما يتبنى فكرة إلغاء رسوم التعليم الجامعية ومسألة تأميم خطوط سكك الحديد ويرى بأنها للشعب ويجب أن تعود إليه تماماً كما بعض الصناعات الكبرى في الدولة والتي يجب أن تكون ملكاً لها، معطياً بذلك أمثلة على قدرته على حل العجز في الميزانيات ومشكلة المديونيات والتعليم والصحة بعيداً عن تكبيد الفقراء نتائج سياسات حكومية تقشفية يراها ظالمة. علاوة على ذلك فهو يرى ان السلاح النووي البريطاني لا حاجة له وبالتالي لا بد أن تصل الدولة الى حالة يتم فيها تفكيك هذا السلاح والاستغناء عنه من أجل الأمن والسلم الدوليين وتقليل النفقات على التسلح. ما يتعلق بموقفه من الاسلاموفوبيا فهو من المكافحين الأشداء ضد كل انواع التمييز على أساس الدين أو العرق، ويرفض في الوقت ذاته سياسات حكومة المحافظين المتعلقة بمكافحة (الراديكالية والتطرف).

أما على الصعيد الخارجي فإن مواقفه لا تقل مبدئية عن ذلك؛ فهو مقاتل شرس ضد غزو العراق وأفغانستان في العام 2003 حيث تزعم في الاعوام الأربعة الأخيرة حركة (Coalition SWC Stop The War) التي تأسست في أعقاب الغزو، رافضاً كل أنواع التدخل العسكري في الخارج، معتبراً أن ذلك هو سبب ما نشاهده من دمار في الشرق الأوسط. موقفه من الانقلاب العسكري في مصر لا لبس فيه أيضاً، فهو يعتبرمحمد مرسي الرئيس الشرعي للبلاد وأن الديمقراطية المصرية قد سرقت من قبل السيسي وفريقه. يرى الزعيم العمالي الجديد أن العلاقة مع أمريكا يجب أن تخرج من إطار التبعية معتبراً أن المملكة المتحدة بعيدا عن سياسات امريكا وإملاءاتها ستكون أكثر أمناً مما هي عليه. وفي هذا السياق يلتقي (كوربن) بالمتشككين من المحافظين في العلاقة مع الاتحاد الاوروبي وحلف الناتو داعياً الى إعادة النظر في تلك العلاقات بما ينسجم مع تصوراته حول عالم أكثر سلاماً وأقل انتهازية وانقياداً للكبار. ثمة مواقف أخرى لم تفارق حركته عبر عقود تمثلت بمواقفه من الصراع العربي الاسرائيلي، حيث احتل نضاله في هذا الإطار حيزا كبيراً ولافتاً حتى غدا من أكثر الشخصيات استعداداً للعمل من أجل فلسطين وأكثرها انتقاداً لمواقف الحكومات البريطانية ووسائل الإعلام في تعاطيهم مع الشأن الفلسطيني العام.

كوربن والانتصار لفلسطين

صحيح ان لعضو البرلمان أيّاً كان مكتبه الذي ربما يدوّن فيه يومياته، إلا أن جيرمي كوربن كان من القلائل الذين كتبوا فصول يومياتهم الممتدة عقوداً في الشارع ومن بين الجماهير التي وقف في مقدمتها من أجل مناصرة القضية الفلسطينية وغيرها من القضايا العادلة حول العالم. فهو منذ ما يزيد على الخمسة عشر عاماً يعد أحد الرعاة الرئيسيين لحملة التضامن مع فلسطين المعروفة بـ (Palestine Solidarity Campaign PSC)، وهو عضو فاعل في لجنة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات المعروفة بـ ( Boycott, Divestment and Sanctions BDS)، وقد عمل بشكل دؤوب على الترويج لمشاريع هذه المنظمات وللرسالة التي تشكلت من أجلها ممثلة بإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني القابع تحت الاحتلال.

طالما شارك زعيم حزب العمال الجديد في دعم الانشطة الداعية الى عودة اللاجئين الفلسطينيين ورفض وعد بلفور - الذي عدّه أحد الوعود الخاطئة والمخادعة وسيئة السمعة ويمثل ازدواجية السياسة البريطانية ونفاقها فيما يتعلق بفلسطين- واعتباره أساس البلاء الذي ألمّ بالشعب الفلسطيني محملاً حكومة الانتداب البريطاني آنذاك مسؤولية تاريخية عن المأساة التي عصفت بالفلسطينيين ولا زالت. طالما شارك الزعيم الجديد في مظاهرات ضد الحرب على غزة مطالباً برفع الحصار عنه واطلاق سراح المعتقلين لدى إسرائيل ووقف انتهاكاتها لحقوق الانسان. وهو بهذا الصدد يعد من الداعمين بقوة لفرض العقوبات على إسرائيل وحظر تصدير السلاح إليها. زار (كوربن) فلسطين تسع مرات كما زار مخيمات الفلسطينيين في سوريا ولبنان أيضاً ولا زال يبدي استعداده لزيارتها مجدداً من أجل رفع الصوت عالياً في وجه الاحتلال وسياساته الجائرة. أما عن موقفه من حماس وحزب الله فعدا عن اجتماعه مع قادة تلك الفصائل أعرب عن سعادته برؤية أولئك القادة يخاطبون الشعب البريطاني من على منصة مجلس العموم البريطاني. من هنا اشتهر الرجل بكونه صديق الفلسطينيين والعدو اللدود للوبي الصهيوني والسياسات الإسرائيلية.

لاحقت تلك المواقف (جيرمي كوربن) إبان الحملة الانتخابية التي خاضها منافساً على مقعد قيادة حزب العمال حيث ووجه بالأسئلة التي ظن سائلوها أنها كفيلة بوضعه في الزاوية، الا أن المفاجأة كانت في عدم تنصله من أي من ارتباطاته أو علاقاته أو مواقفه السابقة. إحدى مناظراته الانتخابية كانت بدعوة من مجموعة أصدقاء إسرائيل في حزب العمال والتي تم تجهيزها بمجموعة من الأسئلة حيكت بشكل دقيق حول القضية الفلسطينية والعلاقة مع إسرائيل كما يتصورها المتنافسون على زعامة الحزب. في الوقت الذي أبدى فيه المنافسون الثلاثة لـ (جيرمي) صداقتهم المطلقة لإسرائيل في إجاباتهم واستعدادهم لفعل كل ما هو ممكن لتوطيد العلاقة معها والنظر بإيجابية الى وعد بلفور في ذكراه المئة بعد عامين ورفضهم مقاطعة إسرائيل أو فرض العقوبات عليها كان موقف (كوربن) المبدئي واضحاً في كل تلك المسائل بلا مواربة او خجل، وهو ما عزز صورته باعتباره صديقاً للمستضعفين ومكافحاً ضد أشكال العنصرية والاستعمار وانتهاك الحقوق. هكذا إذن ورغم محاولاته تقديم أفكاره بصورة أكثر تفهماً من قبل الآخرين إلا أن كل محاولات جره الى الخلف في مواقفه وتصوراته إزاء فلسطين وما يتعلق بالصراع العربي الاسرائيلي ككل باءت بالفشل.

مآتم سياسية على وقع انتخاب القيادة الجديدة

خلافاً لردود الأفعال الشعبية في اوساط حزب العمال والجالية المسلمة والفلسطينيين المرحبة بفوز (جيرمي كوربن)، ووجه فوزه باندهاش كبير وبفتح للمآتم من قبل معارضيه داخل الحزب وكتّاب الأعمدة في الإعلام اليميني البريطاني والإسرائيلي على حد سواء فضلاً عن رئيس حكومة المحافظين البريطانية (ديفيد كاميرون). فالبعض اعتبر فوزه زلزالاً وآخر اعتبره انفجاراً بركانياً سيخلف آثاراً بعيدة المدى على المشهد السياسي البريطاني، بينما رأى فيه البعض مشروع هزيمة أخرى أمام المحافظين لا سيما في انتخابات مجلس العموم القادمة في العام 2020. أكثر ردود الافعال لفتاً للانتباه كان رد رئيس الحكومة (كاميرون) والذي رأى في حزب العمل بعد هذا التطور خطراً على الأمن القومي البريطاني والأمن الاقتصادي فضلاً عن الأمن الشخصي للعائلات. كانت ردة فعل الفدرالية الصهيونية البريطانية من خلال إعلانها وفاة الصهيونية العمالية بانتخاب مثل هذه الزعامة على رأس الحزب. وإذا ما نظرنا الى الخلف وطبيعة العلاقة التي ربطت (جيرمي) بأعضاء حزبه فضلاً عن الآخرين في البرلمان أو ببعض القوى خارجه نجدها علاقة اتسمت باللاإنسجامية أو ربما بالتوتر في كثير من الأحيان، وبالتالي فان خلفيات ردود الافعال غير المرحبة او المتحفظة او الرافضة لهذه النتيجة تبدو مفهومة إذ أنّ لكلّ اسبابه التي يرى في (كوربن) نقيضاً لها وهو ما يجعل مهمة الرجل لاحقاً معقدة بشكل مثير.

محددات النجاح

من الهام فهم طبيعة الإدارة الديمقراطية التي يعمل وفقها الحزب حتى نفهم حدود ما يمكن فعله. فرئيس الحزب له أهمية معلومة في قيادة الحزب إذ يشكّل واجهته ولسانه ومرشحه بالضرورة لرئاسة الوزراء، الا أنّ أيّاً من رؤساء الاحزاب لا يمكنه فرض أجندته وتصوراته على حزبه ما لم تكن لديه الاغلبية داخله، وهذا ما أكد عليه (كوربن) ذاته في خطابه الى مؤتمر حزب العمال الذي انعقد مؤخراّ. وبالنظر الى أن (كوربن) لم يكن بالسهل مع أعضاء حزبه عبر خدمته في البرلمان على مدار عقود، مما أكسبه نفوراً ملموساً جعله يعاني حتى في الحصول على التزكية اللازمة للترشح لهذا المنصب فليس من المتوقع أن يسهل زملاؤه في الحزب المهمة عليه لا سيما ما يتعلق بالايفاء بوعوده التي تعهد بالعمل عليها حال فوزه برئاسة الحزب. فإذا مضى الأعضاء في التعاطي معه على الطريقة التي تعامل هو معهم فيها أو لجأوا الى التصويت حسماً للخلاف معه حول قضايا بعينها فمن المحتم انه ستكون لذلك انعكاسات سلبية جسيمة على قدرته على النجاح. لذا يمكن الجزم بأن المهمة الأسهل في مسيرته رئيسا للحزب هي فوزه بالرئاسة بينما تنتظره الكثير من التحديات التي يتوجب عليه تجاوزها في طريقه للقمة. أما مقياس النجاح في المدى المنظور من وجهة النظر العربية والاسلامية فهو في قدرته على التغيير او التصدي للتغول الحكومي على حقوق المسلمين في إطار ما يسمى باستراتيجية مكافحة الارهاب والراديكالية، ومواجهة الاسلاموفوبيا بقوانين صارمة عدا عن ما يمكن فعله في الموضوع الفلسطيني وسائر قضايا السياسة الخارجية. من هنا نستطيع رصد جملة من المحددات الضرورية للاستمرار في قمرة القيادة:

1- قدرة الزعيم الجديد على بث الدفء في العلاقة الباردة التي جمعته بأعضاء حزبه الآخرين ممن يخالفون خطه الصلب داخل الحزب. فـ (الغيتو) الذي عاش فيه (كوربن) مبدئياً ومنسجماً مع ايدلوجيته الاشتراكية لا بد من تفكيكه دون تنازل عن جوهر مواقفه تمهيداً للمّ شمل الحزب الذي يفترق عليه. وكما هو معلوم فان جملة من وزراء الظل في حزبه والذين كانوا على رأس الخدمة ظهيرة فوزه أعلنوا استقالاتهم ورفضهم العمل تحت قيادته الجديدة مما يراكم عليه مهمة العمل على تطمينهم وزملائهم من أجل ضمانهم إلى جانبه.

2- قدرته على جسر الفجوة بين المبادئ التي يحملها ويدافع عنها والسياسة البراغماتية التي سار عليها الحزب حتى حينه دون انحراف. فصحيح ان مبدئيته رفعت من مصداقيته ومن درجة الوثوق في اخلاقيته السياسية الا أن إنزال المبادئ على الأرض في حالته بحاجة الى أغلبية تقف إلى جانبه داخل الحزب. فإذا افتقد هذه الأغلبية على صعيد الاصلاح في السياسات الداخلية او الخارجية فلن يكون بمقدوره ديمقراطيا المضي قدماً في تطبيق أحلامه وطموحاته وسيصطدم بصخرة الواقع الثقيل. ومن الملاحظ ان (كوربن) قد بدأ السير في هذا الاتجاه حيث تعهد لوزراء الدفاع في حكومة الظل في حزبه بانه لن يقدم على تغيير سياسة الحزب تجاه احد المفاعلات النووية ( Trident) التي تنوي الحكومة الحالية زيادة الانفاق عليه بمئات الملايين، كما فعل ذات الشيء بتأكيده عدم تغيير سياسة الحزب تجاه حلف الناتو أيضاً وهو ما عده البعض بداية تراجع عن مواقفه المتشددة بهذا الشأن.

3- النجاح في قيادة الحزب عبر المحطات الانتخابية القادمة في اسكتلندا وويلز وبلدية لندن وبريستول وغيرها. فإذا قاد (كوربن) نجاحات في تلك المواقع فسيتعزز موقعه داخل الحزب باعتباره سيقود لنجاحات ستظل تتراكم حتى انتخابات العام 2020. أما الاخفاق في حالته فهو ما ينتظره صقور العمل ممن بدأوا يحفرون له قبره السياسي منذ لحظة فوزه. ما يمنعهم وسيمنعهم على المدى القريب من المس بها حزبياً وسياسياً هو حجم الفوز الكاسح الذي جاء به، وهو ما يجعلهم في صدام مع عموم قاعدة العمال في حال قرروا ذلك وهذا ليس سهلاً. أما في حال تراكم الفشل في المحطات الانتخابية القادمة فستنقضّ عليه الصقور الجارحة حتى تطمئن لقتله سياسياً بلا رحمة.

4- التدرج في الإصلاح. إذا ما ذهب (كوربن) الى ما وعد به محاولاً صياغته على شكل تشريعات وقرارات وبالتالي مضى في وعوده كلها جملة واحدة فلربما ينتهي به المطاف الى الفشل؛ لأنه لن يجد أعضاء الحزب الى جانبه في معارك من هذا القبيل، وهو ما يحتم عليه قراءة المشهد المحيط بشكل ثاقب حتى لا يقع في شرك أعماله.

5- أخذ العبرة مما حصل مع نظيره (ميليباند) في الانتخابات الاخيرة حين فتح نيرانه السياسية على الكثير من الجبهات في آن واحد مما حدا بالكل إلى مكاسرته. فلا ينبغي أن يفتح كوربن معاركه مع الشركات الكبرى والأغنياء ووسائل الإعلام ومجلس العموم والنظام الملكي والمحافظين وأمريكا وإسرائيل والاتحاد الاوروبي والناتو والزعامات الشرق أوسطية الرجعية وغيرها من القوى مرة واحدة بظهر غير محمي من قبل حكومة أو أغلبية داخل الحزب وخارجه. منازلة هذه القوى في آن واحد سيكسر ظهره ويدفع به الى المقاعد الخلفية مجدداً، إذ سيفضي بالنواب الاخرين من حزبه الى التمرد وإخضاعه للتصويت. لذا لا بد له من وضع اولويات في المواجهة تجنبه خوض معارك دون ذخيرة كافية.

6- القدرة على تجييش الشارع في خدمة مواقفه داخل كتلته البرلمانية. فاذا تمكن الزعيم الجديد من الإبقاء على العلاقة مع الشارع وتجييشه وتسخيره وراء مطالب محددة فسيظل محمياً من نيران الأصدقاء تحت قبة البرلمان، أما في حال إغفال أهمية الشارع أو غفلة الشارع عن الوقوف الى جانبه فسيتعرض للانكشاف، وبالتالي امكانية الفشل في إنفاذ أيّ من رؤاه الجوهرية التي تعهد بالمضي بها قدماً.

7- الرشاقة في القفز عن الأشراك والألغام التي يزرعها مناوئوه في طريقه بين الحين والآخر داخل الحزب وخارجه، وقدرته على التألق في مواجهة تلك المطبات والرد عليها كما يجب. فتعثر الزعيم الجديد وعدم ارتقائه لمستوى التحدي الشخصي والزعاماتي امام الآخرين لا سيما رئيس حكومة المحافظين يهدد بزوال بريقه الذي صاحبه عند انتخابه ويجعل من قدرته على إقناع الشارع أو حتى تمثيله ضعيفة.

الفرصة أم الانقلاب؟

ليس وارداً أن يكون هناك انقلاب بحقه على الطريقة المصرية في العام 2013، الا ان حجم الاستهداف الموجه نحوه من قبل الخصوم سيكون كبيراً بلا شك. وفي الوقت الذي سيعطى فيه (جيرمي كوربن) الوقت كي يعبر عن نفسه كقائد للحزب يتربص به الكثيرون انتظاراً لأخطاء يمكنه الوقوع فيها كي تتم عملية الانقلاب (الديمقراطية) عليه من خلال أعضاء الحزب في البرلمان. على الرغم من الانعكاسات السلبية التي ستلحق بالحزب في حال تم الإقدام على ذلك مع ما يرافقه من تصادم مع قاعدة (جيرمي) العريضة واستهلاك الحزب مجدداً في انتخابات زعامة جديدة الا أن الجناح اليميني المتطرف داخل الحزب سوف يكون على استعداد للمجازفة بكل ذلك لقاء التخلص من الكوربنية (Corbynism) التي يعتبرها خطراً على المجتمع والدولة والحزب. لذا فان الوصول الى هذه اللحظة يعتمد نسبياً على طبيعة الأداء الذي سيقدمه (كوربن) من جانب، ومدى قدرة الأطراف المناهضة على تشويه صورته وتحميله أوزار أخطاء قد تكون من صنعه أو صنع الظروف الموضوعية المحيطة، أو نجاحهم في تصويره عديماً للأهلية وعنواناً للفشل في الانتخابات العامة المزمع عقدها في العام 2020 كرئيس مرشح للوزراء. إذا استطاع الرجل تخطي الشراك التي ستنصب في طريقه وفوّت الفرصة على المتربصين به فان من المرجح أن يكمل فترته دون تطورات مثيرة، أما في حال وقوعه فريسة المتصيدين و(الانقلابيين) المتخفين حاليا فستكثر السكاكين التي سيطعن بها منبئة بنهاية عهد لم يكتب له الاكتمال.

انعكاسات فوزه على القضية الفلسطينية

1- من المرجح أن يدفع فوزه في رئاسة المعارضة بالقضية والرواية الفلسطينية الى الواجهة السياسية في بريطانيا بشكل لافت. ويشمل ذلك موضوع الأسرى واللاجئين وحصار غزة والقدس والمستوطنات وحتى محاولة تسويق الحوار مع حركة حماس إضافة الى توسع دائرة الصداقة لفلسطين داخل مجلس العموم وخارجه.

2- التضييق النسبي سياسياً على سياسات إسرائيل التوسعية والتهويدية والتلويح بالعقوبات كوسيلة لحملها على التسليم بالحقوق الفلسطينية المشروعة ومواجهة ضغوطات اللوبي الصهيوني بهذا الشأن.

3- وجوده يعد محفزاً للحكومة البريطانية من أجل رفع مستوى التدخل لدى الاسرائيليين والحكومة المصرية من أجل رفع او التخفيف من حدة الحصار المحكم على غزة.

4- حشر جناح (بلير– براون) في الزاوية وتحجيم اللوبي الصهيوني داخل الحزب نسبياً على المدى المنظور بحيث سيتناسب ذلك طردياً مع قدرته على تحقيق انجازات واختراقات في المشهد السياسي المحيط.

5- من الممكن أن يتقدم بخطوات (رمزية) حتى من على مقعد المعارضة كالاعتذار عن الألم الذي لحق بالشعب الفلسطيني جراء الانتداب البريطاني وربما وعد بلفور داعياً إلى إعادة الحقوق إلى أصحابها على قاعدة دولتين لشعبين. وفي حال تم ذلك فمن المرجح ان يتم في الذكرى المئوية الأولى لوعد بلفور عام 2017 لا سيما في ظل وجود عريضة يتم العمل على تجميع مليون توقيع عليها حتى حينه مطالبة بريطانيا بالاعتذار.

الخلاصة

يشكل انتخاب جيرمي كوربن رئيساً لحزب العمال في أحد جوانبه انتصاراً لفلسطين وأنصارها وهزيمة للوبي الصهيوني اليميني داخل الحزب وخارجه. فقد حرّك المياه الراكدة في مستنقع السياسة البريطانية فضلاً عن تحوله إلى ملهم للكثير من الشبان الذين انضموا بعشرات الآلاف تحت قيادته الى حزب العمال أملاً في التغيير المنشود على الصعد كلها. لا شك أن فوز هذا الزعيم بخلفيته الايدلوجية وقناعاته المبدئية كان استفزازاً لمناوئيه في حزب العمال والذين يشكلون في البرلمان أغلبية قد تصطدم معه يوماً ما. الطريق أمامه طويل وشاق وملغّم من أجل أن يتمكن من تحويل الآمال والطموحات التي أكثر منها أثناء دعايته الانتخابية إلى حقائق ووقائع. أداة إفشاله الرئيسة ستكون غالباً من داخل حزبه في البرلمان فإذا ما نجح في مد جسوره مع زملائه وكسبهم في معركته على المستقبل فسيستمر، أما في حال إثباته فشلاً في إدارة علاقاته الداخلية والخارجية فلسوف تكون النهاية حتمية عبر (إنقلاب) ديمقراطي أبيض يجري التحضير له على نار هادئة في أروقة البرلمان ذاته. أيّاً كانت محصلة معركته على القيادة فإن الرواية الفلسطينية للصراع ستحظى بانتعاش غير مسبوق رسمياً وشعبياً على حساب الرواية الصهيونية.

 

المصدر: المركز العربي للبحوث ودراسة السياسات 

تغريدة "Gaza Writes Back"

  !israel is a piece of shit and they know ittwitter.com/ThisIsGaZa/status/595385208385449985/photo/1 




تغريدة "عاصم النبيه- غزة"

 عندك القسام وبتأيد داعش؟ روح استغفر ربك يا زلمة.. #غزةtwitter.com/AsemAlnabeh/status/595507704338186240
 




تغريدة "أحمد بن راشد بن سعيد"

القاهرة تنتفض ضد قرار تقسيم #فلسطين عام 1947.كان زمان!لكن تظل #فلسطين_قضيتناtwitter.com/LoveLiberty/status/594548013504307200/photo/1




تغريدة "Joe Catron"

 Take a moment to thank "@MsLaurynHill" for cancelling her concert in occupied Palestinetwitter.com/jncatron/status/595337215695192064/photo/1




تغريدة "Dr. Ramy Abdu"

 المغنية الأمريكية المشهورة لورين هيل تلغي حفلها الفني في "إسرائيل" بعد حملة واسعة لنشطاء حركة المقاطعة.twitter.com/RamAbdu/status/595530542910742528




تغريدة "النائب جمال الخضري"

في #غزة يقهرون الإعاقة ويلعبون الكرة الطائرة أطرافهم بترت اثناء الحرب على غزة لا يأس ولكن عزيمة وصمود لهم التحية.twitter.com/jamalkhoudary/status/595520655858147328





 

حسام شاكر

الإبداع في ذروته .. رفعت العرعير مثالاً

أيُّ إبداعٍ يُضاهي أن تُنسَج القصيدة المعبِّرةُ من نزفِ شاعرها أو أن تصير الكلمات المنقوشة بالتضحيات العزيزة محفوظاتٍ مُعولَمة في … تتمة »


    ابراهيم العلي

    في ظلال يوم الأرض الفلسطينون : متجذرون ولانقبل التفريط

    ابراهيم العلي

     يعد انتزاع الاراضي من أصحابها الأصليين الفلسطينيين والإستيلاء عليها أحد أهم مرتكزات المشروع الصهيوني الاحلالي ، فالأيدلوجية الصهي… تتمة »


    لاعب خط الوسط الأردني محمود مرضي يرفع قمصيه كاتباً "هي قضية الشرفاء" ، بعد تسجيل هدف لمنتخبه ضد ماليزيا.
    لاعب خط الوسط الأردني محمود مرضي يرفع قمصيه كاتباً "هي قضية الشرفاء" ، بعد تسجيل هدف لمنتخبه ضد ماليزيا.