«الحلقة الرابعة عشر» من سلسلة يوميات لاجئ
بقلم الكاتبة ياسمين محمد- خاص العودة
مرّ ذلك اليوم ببطئٍ شديد بين تحضيرات العزاء ومراسم الدفن..
وعندما أخذت الشمس تغرب بخجلٍ شديد، كان عليّ يسلُك طريقه خارج أسوار المخيم، لكنه هذه المرة لم يتوجّه إلى البحر ليشكو له همّه، بل قصد مستوعبًا كبيرًا للنفايات كان يعمل على فرز محتوياته ظهر كلّ يومٍ بعد انتهائه من المدرسة، وتأكده من وصول أخيه الصغير إلى المنزل سالمًا...
كان وجه عليّ متجهمًا وكئيبًا لدرجة أنّه أبقى نظره نحو الأرض طوال فترة مسيره التي استغرقت حوالي الربع ساعة.. بقي مستغرقًا في عمله يفتّش في النفايات غير مكترثٍ للمارة وحركة السيارات السريعة عند ذلك الشارع، وكأنه يحاول أن يتناسى ما حصل اليوم، غير أنّ شريط الذكريات اللّعين لم يغادره للحظة واحدة وصورة جدته تلازمه في مخيلته أينما حلّ.
أينما تطلّع عليّ يجد صورتها وهي تبتسم له، فهو لم يذكر لها دمعةً واحدة، حتى عندما كانت تحدثه عن أيّام النكبة وهي طفلة لم تتجاوز السبعة أعوام وكيف قتل اليهود أمّها أمام ناظريها، وكيف اختبأت خلف أشجار الزيتون ومثّلت أنّها ميتة تمامًا كما نصحتها أمّها.. كانت تحدّثه عن تلك الذكريات بشموخ ولم تجرؤ يومًا على سكب دمعة واحدة.. كانت تريده أن لا يعرف معنى اليأس أن لا يبكي أبدًا، أن يكون بطلاً فلسطينيًا.
وعندما استذكر عليّ ما كانت تقوله له جدّته دائمًا شعر بنشاطٍ غريبٍ يدبّ في جسده، وأحسّ برعشةٍ قوية وصرخ بصوتٍ عالٍ سمعه المارّة، أجل يا جدتي لن أبكي بعد اليوم، سأبقى صامدًا في وجه نكباتي...
(يتبع)
#يوميات_لاجئ منكم ولكم.. تابعونا
لقراءة الحلقة السابقة: