مخيم الرشيدية... سجن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان
على هذهِ البُقعةِ المُقتظةِ يَتساكنُ الأمَلُ بالغدِ معَ أَلمِ أوجاعِ الغربةِ والحِرمان... وما كانَ شاهداً على اقتلاعِ الفِلسطينيِّينَ مِنْ أَرضِهم سَابقاً....أَضحى شَاهداً على مَا يُعانِيه اللاجئُ الفِلسطينيُّ في مُخيّماتِ الشتاتِ مُنذُ أنْ هُجِّرَ إلى لبنانَ عامَ ثمانيةٍ وأربعينَ مِنَ القرنِ الماضي. مُخيّمُ الرّشيديّة... أَقدمُ مُخيّماتِ اللاجئينَ الفِلسطينيِّينَ في لبنان وأقربُهم إلى فِلسطين..اُنشأَ عَامَ ألفٍ وتسعِمئةٍ وتسعةٍ وستين، ويَبعدُ ثلاثةً وعِشرينَ كيلومتراً عَنِ الأراضي المُحتلة.
على مِساحةٍ لا تَزيدُ عَنْ كيلومترَيْنِ ونصفِ كيلومترٍ يَمتدُّ المُخيّم... وعلى هذهِ المِساحةِ يَعيشُ نَحوُ ثمانيةٍ وعِشرينَ ألفَ نَسَمة... تَتزايدُعاماً بَعْدَ عام... الأمرُ الذي تَسبّبَ بأزْمةٍ بالكثافةِ السّكانيّةِ باتَ يُعاني منها المُخيّمُ اليوم. يَضُمُّ مُخيّمُ الرشيديّةِ ثلاثَ مدارسَ تَابعةٍ لِلأونروا تُضيفُ ألماً جديداً لِآلامِ اللاجئين... إذْ يُعاني الطلابُ مِنِ اكتظاظِ الصّفوفِ حَيثُ يَصلُ مُعدلُ الطلابِ في الصّفِّ الوَاحدِ مِنْ أربعينَ إلى خَمسينَ طالباً بسببِ تَقليصاتِ الوِكالةِ في خِدْماتِها التّعلميّة.
الوَاقعُ الصّحيُّ في المُخيّمِ ليسَ أفضلَ حَالاً مِنَ الوَاقعِ التّربويّ.. فالرشيدية لا يَحتوي إلا على مشفىً واحدٍ هو مَشفى بلسم ويَتبعُ لِمُنظمةِ التّحريرِ الفِلسطينيّةِ بالإضافةِ إلى عِيادةٍ صِحيّةٍ وَحيدةٍ تَابعةٍ لِلأونروا، ومَا يَزيدُ الطّينَ بِلةً مُعاناةُ هَذَيْنِ المَركزَيْنِ الطّبيَّيْنِ مِنَ النّقصِ في الأطقمِ الطّبيّةِ والمُعَدَّاتِ والأدويةِ اللازمة... ضعفُ القِطاعِ الصّحيِّ دَاخلَ المُخيّمِ لا يَعني غِيابَ مَشافٍ صِحيّةٍ جيّدةٍ في الجوار، إلا أنَّ الواقعَ الاقتصاديَّ لِلاجئينَ يَفرضُ عليهم القَبولَ بمَا هو مُتاحٌ لهم دَاخلَ المُخيّم، بِقيمةٍ شبهِ مَجانيّة.. فمعَ وُصولِ نِسبةِ البِطالةِ دَاخلَ المُخيّمِ لِمَا يَزيدُعلى ستينَ في المئةِ وانخفاضِ مُتوسطِ دَخْلِ العَاملينَ فيهِ لِنحوِ ثلاثِمئةِ دُولارٍ بحَسَبِ مُؤسسةِشاهد يَزيدُ مُعاناةَ اللاجئين.
ولأنَّ كُلَّ مَا سَبقَ لا بُدَّ أنْ يَرتبطَ ارتباطاً وثيقاً بالسّلامةِ العَامّة، نُضيفُ نُقطةً أخرى لِصَالحِ المُعاناةِ في المُخيّم، وذلكَ أنَّ البناءَ القَديمَ والبنى التّحتيّةَ المُتهالكةَ مِنْ شَبكاتِ الصَّرْفِ الصّحيِّ وشَبكاتِ المِياهِ وحتّى شَبكاتِ التيّارِ الكهرَبائيِّ التي بَاتتْ تُشكّلُ بِحَدِّ ذَاتِها خَطراً.. باتوا جُزءاً مِنَ الحَياةِ اليَوميّةِ لأهلِ المُخيّم.
وفي الحَديثِ عَنِ الوَفَياتِ... تَحصُدُ المُعاناةُ نُقطةً جَديدة، فحتى الأمواتُ يُعانونَ في المُخيّم... كيفَ لا وقدْ باتَ كُلُّ أربعةِ مُتوَفـَّيْنِ يَتشاركونَ قبراًواحداً بسببِ امتلاءِ المَقبرةِ وعَدمِ قُدرتِها على استيعابِ المَزيدِ مِنَ القُبورِ الجَديدة.... بهذا يُمكنُ القول... اليوم وبَعْدَ سبعةٍ وستينَ عاماًعلى النكبة... يَنتصرُ الألمُ على الأمل... لِيُصبحَ اللاجئُ الفِلسطينيُّ جَسداً... مُجَرَّداً مِنْ حُقوقِه وأَبسطِ مُقوّماتِ الحياةِ الطبيعيّة.
المصدر: أمد للإعلام
أضف تعليق
قواعد المشاركة