في خضمّ الانشغال الفلسطيني في لبنان باقامة النشاطات التضامنية مع "الانتفاضة الفلسطينية" واستمرار الجهود السياسية لتحصين الأوضاع الامنية في المخيمات واستكمال خطوة انتشار "القوة الامنية المشتركة" في مخيمات بيروت، حيث يتوقع عقد اجتماع خلال الايام المقبلة لتذليل بعض العقبات التي ظهرت وتتعلق بربط الانتشار بتوحيد "اللجان الشعبية الفلسطينية"، تقدم ملف وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الاونروا" على ما عداه بعد المعلومات التي كشفت عن عزم الادارة اتخاذ قرارات تقشفية بتقليص بعض خدماتها التربوية والصحية والاجتماعية نتيجة تراكم العجز المالي.

تلويح وكالة "الاونروا" بتقليص تقديماتها مطلع العام القادم 2016، دفع القوى الفلسطينية الى اعلان "الاستنفار السلمي" الى الان، لمواجهة هذه السياسة "المتدحرجة" تخفيضًا منذ سنوات متتالية، والتي ترى فيها مقدمة لالغاء دورها كشاهد اساسي وحي على قضية اللجوء الفلسطيني وصولا الى شطب حق العودة غداة الذكرى السادسة والستين لصدور القرار الأممي بتأسيسها في كانون الأول العام 1949 وعشية ذكرى مرور 67 عاما على صدور القرار 194 الصادر في الشهر نفسه من العام 1948 والقاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم والتعويض عليهم.

عجز وتقشف

وأكدت مصادر فلسطينية لـ"النشرة"، ان وكالة "الاونروا" ابلغت بعض المسؤولين الفلسطينيين في لبنان انها ستضطر الى تقليص خدماتها الصحية والتربوية والاجتماعية مطلع العام المقبل 2016 نتيجة العجز في الموازنة المالية والتي يتوقع ان يصل الى 136 مليون دولار اميركي، بعدما بلغ العام الجاري 2015 نحو101 مليون دولار، وان سلسلة من القرارات التي ستقدم عليها ستؤدي الى خفضه لنحو 81 مليون دولار، اي انها ستتخذ اجراءات تقشفية تبلغ 50 مليون دولار على حساب الخدمات المقدمة للاجئين ومنها اقفال 4 مدارس لوكالة "الانروا" في لبنان تعتمد اللغة الفرنسية، بعد رفع دعم السفارة الفرنسية عنها، وهذا يعني تشريد اكثر من 3 آلاف تلميذ فلسطيني واقفال عدد من المدارس، خصوصا في بيروت، ودمج مدارس بعد تقليص عدد الشعب الصفيّة.

ولعل الاخطر في اجراءات التقشف تلك التي ستطال برنامج الصحة والاستشفاء والتي ستكون في الدرجة الثانية التي كانت التغطية فيها 100 بالمئة، سوف يصبح على المريض دفع 20% في المستشفيات الخاصة، 15% في المستشفيات الحكومية، 5% في مستشفيات الهلال الاحمر الفلسطيني وفي الدرجة الثانية التي كانت التغطية فيها 50 بالمئة، سوف تصبح 60% أي بتحسن 10% وفي تقليصات الاستشفاء، فانه سوف يحدد عدد العمليات الباردة لكل منطقة في الشهر، فمثلا في صور 10 عمليات في الشهر، بينما في صيدا 50 عملية في الشهر، كما سيتم وقف تغطية أي عملية استشفاء للمجنسين، واستشفائهم سيكون فقط على نفقة وزارة الصحة، اضافة الى تحويل المعونات الغذائية في برنامج الاغاثة والخدمات الاجتماعية في لبنان، والضفة والاردن الى قسائم غذائية (سينتج عنه الاستغناء عن فريق عمل التوزيع وعدد من الباحثين الاجتماعيين).

استنفار ومواجهة

بمقابل هذه الاجراءات التقشفية، أعلنت القوى الفلسطينية استنفارها السياسي، وبدأت تعد العدة لمواجهة ساخنة للحؤول دون التنفيذ، سيما وان تجربة اعادة اعمار مخيم "نهر البارد" ما زالت ماثلة ولم تكتمل فصولها بعد، مع الوعود التي لم تنفذ بعد، وعلمت "النشرة" ان هناك اتجاهاً للضغط السلمي الدبلوماسي والسياسي والشعبي لحث المجتمع الدولي على ايجاد حل دائم لأزمة الوكالة المالية من خلال ضم ميزانيتها إلى الميزانية الدائمة للأمم المتحدة وعدم الاعتماد فقط على التبرعات التطوعية للدول المانحة والقيام ببرنامج تحرك دبلوماسي فلسطيني تتولاه السلطة الفلسطينية و"دائرة اللاجئين" في "منظمة التحرير الفلسطينية" وهي برئاسة الدكتور زكريا الاغا، ويشمل جولة لحث الدول الصديقة العربية والغربية على العمل لإيقاف تدهور عمل "الأونروا" وتقليص خدماتها تدريجيا.

الى جانب هذا، ثمة اقتراحات يتم تداولها في الوسط الفلسطيني بشقيه السياسي والشعبي، ولكنها لم ترق بعد، الى مستوى خطة متكاملة، ومن "المواجهة السلمية" على قاعدة التمسك بوكالة "الأونروا" باعتبارها الشاهد الحي على الجريمة التي ارتكبها العدو الصهيوني بحق الشعب الفلسطيني وتكثيف التواصل مع إدارة "الأونروا" وطواقم عملها من أجل المساعدة في ايجاد حلول سريعة لأزمتها، اضافة الى التركيز على التزام الدول الغربية تجاه ميزانية "الأونروا"، وعدم إعفاء هذه الدول من مسؤولياتها التاريخية تجاه اللاجئين عموماً وقضية الأونروا بشكل خاص وتركيز الخطاب الشعبي والعام على مقاومة تقليص خدمات الوكالة، وتفادي الحديث عن الاستعداد لما بعد الأونروا لما في ذلك من تشجيع للدول المانحة على التنصل من مسؤولياتها ومن تهيئة للرأي العام لتقبل فكرة انتهاء أعمال الوكالة ودعوة الدول العربية إلى دفع حصتها في تمويل الأونروا وتكثيف الضغط الشعبي على الدول الأعضاء في اللجنة الاستشارية في الأونروا، ناهيك عن استمرار الاعتصامات والتحركات الشعبية وتصعيدها على كافة المستويات وفي كل المخيمات وتشكيل مجلس استشاري يضم ممثل عن "الأونروا" والمجتمع الفلسطيني واللبناني لإدارة الأزمة واتخاذ قرارات لا تضر بواقع اللاجئين الفلسطينيين.

مسؤولية مشتركة

وبين الاجراءات التقشفية والخطة الفلسطينية للمواجهة، ثمة مؤشرات غير مطمئنة لما آل اليه الواقع الفلسطيني في المخيمات حيث ازدادت اعداد المهاجرين بشكل لافت نتيجة الحرمان من الحقوق المدنية والاجتماعية وانعدام فرص العمل والبطالة والغلاء والحصار، ما يحتم على الدولة اللبنانية النظر بايجابية الى هذا الملف، ناهيك على دور القوى الفلسطينية في معالجة المشاكل العالقة وخاصة مايتعلق منها بجيل الشباب، لانه اذا تكاملت المسؤولية اللبنانية الفلسطينية يمكن المواجهة وتحقيق الاهداف واهمها رفع اليأس والاحباط لدى الفلسطينيين الذين يعيشون واقعا مريرا مزنرا بالبؤس والفقر المدقع وغياب الامن بعد سلسلة من الاحداث الامنية المتنقلة وهم قد شهدوا بأم العين التداعيات السلبية لتقليص الخدمات في العام الجاري 2015 والتي تمثلت بحرمانهم من أبسط حقوقهم بالحياة والتعليم بعد التهديد بتأجيل العام الدراسي وعدم دفع رواتب المعلمين 4 شهور رفع الحد الاقصى لعدد الطلاب في الصف الواحد الى 50 طالب وبالتالي تقليص حوالي 40 شعبة، اضافة الى ابرام عقود معلمين PRS من قبل UNDP وليس الاونروا كما جرت العادة، وهذا تغيير خطير، فرض قانون الاجازة القسرية للموظفين بدون راتب لمدة سنة وتجميد التوظيف وحرمان الفلسطينيين من حق العمل (سنويا يتم توظيف حوالي 250 معلم في الاقطار الخمسة) اضافة الى حرمان اكثر من 750 وظيفة يومي في لبنان والغاء بدل الايواء للنازحين من سوريا والغاء برنامج الطوارىء لمخيم نهر البارد، ووقف بدل الايجار لحوالي 2500 عائلة وفتح باب الترك الطوعي الاستثنائي، وقف الدعم عن عدد من ادوية الامراض المستعصية وخصوصا ادوية السرطان الباهظة الثمن.

المصدر: النشرة