عائلات "تناكية" صيدا تقف وحيدة ضدّ هدم بيوتها
الأربعاء، سيتم إخلاء وهدم 4 بيوت في ما يدعى بـ"التناكية" في منطقة الحسبة في صيدا، على ما أفاد سكان هذه المنطقة، التي تُعرف أيضاً بـ"جسر التنك". وهي "مخيم مصغّر" كان جزءاً من مخيم عين الحلوة جنوبي صيدا قبل أن يقطع الأوتوستراد الذي يصل الحسبة بالزهراني المخيم، ما أدى حينها إلى إخلاء 35 بيتاً وهدمها.
لكن هذا "المخيم" الذي يشبه المخيمات الأخرى في مآسيه وفقره يتميز عن المخيمات الأخرى بتمركزه على عقار "سكة الحديد" التابع لـمصلحة سكك الحديد، أي أنه يقع على ملك عام. كما يتجاوز المخيم الملك العام ليشغل مساحات من الأملاك الخاصة الموازية له.
في عام 1981، هُجّرت الحاجة مريم داوود علي من مخيم النبطية، الذي تهدّم هو الآخر، بسبب الإجتياح الإسرائيلي. وفي رحلة بحثها عن بيت يأويها مع عائلتها عثرت على بيت صغير في منطقة "التناكية" لتكون أول سكان "المخيم". هكذا، شهدت الحاجة توافد كل اللاجئين الآخرين إلى المخيم والذين يصل عددهم اليوم إلى حوالى 200 شخص، يعيشون في 42 بيتاً تقريباً، على ما قالت مريم لـ"المدن".
لم يُمنع السكان من بناء البيوت بالحجارة والإسمنت بعدما كانت مسقوفة بـ"الزينكو"، قبل أن تنفّذ "منظمة الإسعاف الأولي" مشروعاً بعنوان "إعادة تأهيل منازل اللاجئين الفلسطينيين" بتمويل من "المديرية العامة للمساعدة الإنسانية التابعة للمفوضية الأوروبية –ايكو" مشروعها في المخيم. إذاً، فالتعدي الحاصل اليوم تم بمعرفة السلطات المعنية. وبذلك تكون جميع الجهات المعنية من وزارة الأشغال والنقل ووزارة الداخلية وبلدية صيدا مسؤولة عن ايجاد مساكن لحوالى 200 شخص بطريقة غير شرعية.
يتوسط المخيم رواقاً إسمنتياً طويلاً. تظهر بين الإسمنت قطع حديدية، هي الجزء الظاهر من السكة. لكن السكان ليسوا غافلين عن هذا الأمر ولا ينكرون تعديهم. بيد أن بقاءهم في هذه البيوت المخالفة خيار مرّ.
منذ حوالى الـ20 يوماً، رافقت الحاجة مريم القوى الأمنية إلى "مخفر الحسبة"، بعدما طُلب منها إزالة سياج حديدي وضعته مقابل حديقتها الموازية للأوتوستراد. وبعد إزالتها السياج، أجبرت مريم، وهي أمية كما أكدت في حديثها مع "المدن"، على توقيع ورقة قيل لها أنها تؤكد إزالتها التعدي. كما طلبت منها القوى الأمنية زيارة المخفر كل 15 يوماً لتجديد إمضاء هذه الورقة. وبعد اعتقال أربعة رجال آخرين بتهمة التعدي لأسباب مماثلة (وضع سياج أو بناء حائط) تبين أن الورقة التي يوقعها السكان هي تعهد بالإخلاء. أما التاريخ الأول الذي حددته الجهات المعنية للإخلاء فهو يوم الأربعاء.
يروي أحد سكان "المخيم" أن القصّة بدأت منذ شهرين، حين طلب من صديقه تنظيف المساحة الموازية للمخيم من بعض الأتربة والنباتات والحجارة. وحين كان صديقه ينظف المنطقة بجرافته نزعت الجرافة قطعة حديدية من السكة عن طريق الخطأ، ومذاك بدأت هذه الإجراءات.
لكن لا يبدو أن هذا هو الدافع الحقيقي للإجراءات. فأحد الإحتمالات في حديث رئيس بلدية صيدا محمد السعودي مع "المدن" هو أن سبباً أمنياً يدفع إلى إزالة المخيم، من دون أن يكون هذا السبب مؤكداً. ولعل ما صرح به رئيس شعبة العلاقات العامة في قوى الأمن الداخلي المقدم جوزيف مسلم، لـ"المدن"، ينفي ما قاله السعودي، إذ قال: "ليس لنا علاقة بما يحدث، نحن وسيط لتطبيق القانون فقط، قد تكون القرارات آتية من وزارة الأشغال والنقل". أما مصادر أمنية أخرى فأكدت أن سبب الإخلاء هو مطالبة أحد أصحاب الأراضي بإزالة البيوت التي تقع في نطاق أملاكه.
سكان المخيم متأكّدون أن إزالة هذه البيوت الأربعة هي مقدمة لإزالة المخيم كله. وقد صدق حدس السكان إذ يؤكد تصريح السعودي التحضير لإزالة المخيم.
ولا يمكن الشك في تعدي هؤلاء السكان على أملاك عامة وخاصة. لكن هؤلاء الذين لا حول لهم ولا قوة سيخوضون غداً حرباً بأجسادهم في وجه القوى الأمنية، إذا أصرت على هدم بيوتهم، إذ أكد الأهالي مقاومتهم لهذا القرار، وما يطلبونه هو إيجاد سكن بديل لهم فحسب.
مع هذا، أكدّ السعودي أنه "ليس لدى البلدية بديلاً للسكان"، مؤكداً عدم استعداد البلدية للتدخل في هذا الموضوع. كما اقترح أن "تتولى قوى الأمن عملية تأمين هذا البديل، ويكفينا ما لدينا من لاجئين". يبقى أنه من الواضح أن الجهات المعنية، تستمر في رمي المسؤولية على غيرها في لعبة ساذجة لإخفاء الحقائق والتخلي عن المسؤولية.
المصدر: المدن
أضف تعليق
قواعد المشاركة