غزة تتوق لرمضان ''يمحو'' ذكريات الحرب
وسط صيحات فرح يطلقها أطفاله الأربعة، يعلق عبد الرحمن عاشور، "الفوانيس المضاءة" على شجرة كبيرة تتوسط ساحة منزله الكائن غرب مدينة غزة.
وتزداد سعادة الصغار في ساعات الليل، عندما تنعكس أضواء الفوانيس على أغصان الشجرة، مكونة ما يشبه ألوان الطيف، في مشهد مغاير لأجواء شهر رمضان التي عاشها سكان قطاع غزة العام الماضي، بفعل الحرب الإسرائيلية.
"اشتريت الفوانيس المضاءة، حتى ينسى أطفالي أجواء الخوف والقلق التي رافقتهم طيلة أيام رمضان العام الماضي"، يقول عاشور (39 عاما) لمراسلة الأناضول.
ويضيف "أذكر في أول ليلة من رمضان كيف بدأت الغارات الجوية، التي سبقت الحرب، كنا نخشى من الخروج ليلا، أو إنارة أي فانوس، وبعد أسبوع بدأ العدوان الإسرائيلي، عشنا أياما قاسية، وصعبة".
وشن الاحتلال الاسرائيلي في 7 يوليو/ تموز 2014 حرباً على قطاع غزة، استمرت 51 يوماً، وتسببت في استشهاد نحو 2200 فلسطيني وإصابة أكثر من 11 ألفاً آخرين، حسب وزارة الصحة الفلسطينية، فضلاً عن تدمير آلاف البيوت، وتهجير أصحابها.
ولا يزال نحو 22 ألف فلسطيني مشردين حتى اللحظة في مبانٍ تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، والمساكن المؤقتة أو لدى عائلاتهم الممتدة وفق إحصائيات لوزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية.
وعلى عكس العام الماضي، الذي كانت تخلو فيه شوارع قطاع غزة، من المارة، بفعل القصف العنيف والمستمر، والغارات ليلا ونهارا، تشهد الأسواق هذه الأيام انتعاشا كبيرا، وحركة شرائية واسعة.
وقضى أهالي قطاع غزة، نحو عشرين يوما، من شهر رمضان تحت القصف الإسرائيلي، ونيران الغارات، فيما قُتل العديد من الفلسطينيين وهم يتناولون وجبات الفطور والسحور.
رمزي العف (45 عاما)، أب لسبعة أبناء، يقول إنّه قام بشراء الفوانيس لأطفاله، وكافة مستلزمات وحاجيات شهر رمضان.
ويضيف العف وهو يقف أمام أحد المحال التي تنافست في عرض البضائع المختلفة، إنّ "سكان قطاع غزة، عانوا كثيرا في شهر رمضان العام الماضي"، مستدركا بالقول "لم نشعر بأجوائه الإيمانية، الخوف والموت كان يحيط بنا من كل جانب، هذه السنة نأمل أن تكون مختلفة تسودها الراحة والطمأنينة".
وتتوق "منى عبيد" (34 عاما)، وهي أم لخمسة أبناء لاستحضار أجواء رمضان، وتفاصيل ما افتقدته العام الماضي على مائدتي "الإفطار" و"السحور".
وتضيف إنها قامت بتزيين منزلها ببالونات مرسوم عليها هلال شهر رمضان، إضافة إلى تعليقها الفوانيس في أرجاء المنزل.
وتتابع بفرح "في العام الماضي، لم نكن نعرف كيف نتذوق الطعام، ولا كيف تمر أيامنا، كننا ننتظر الموت في أي لحظة، الحرب أنستنا كل شيء، وأفقدتنا طقوس رمضان الجميلة والدافئة، هذا العام سنعوض كل ما فاتنا".
وبالرغم من أن الحرب الإسرائيلية نالت من أجزاء كثيرة من بيته إلا أنّ المواطن سعدي فرج (45 عاما) يشعر بالفرح، لاستقباله شهر رمضان بعيدا عما يصفه بـ"ليالي الرعب".
ويستطرد فرج إنّ سكان قطاع غزة "يتوقون لرمضان مختلف، يؤدون فيه صلاة التراويح بخشوع دون أن يخافوا من تعرض المساجد للقصف".
و"حتى لو صلينا داخل مسجد مدمر، المهم أن نستحضر الأجواء الإيمانية التي افتقدناها، أن نصلي دون خوف وقلق".يردف فرج.
ودمرت إسرائيل خلال حربها على قطاع غزة 64 مسجدا بشكل كلي، إضافة إلى تضرر 150 مسجدا بشكل جزئي، وفق وزارة الأوقاف والشؤون الدينية.
وهذا العام يتوق "المسحراتي" عاصم سلامة (24 عاما) إلى أن يعلو صوته، وهو يقوم بإيقاظ النائمين لتناول وجبة السحور.
ويروي سلامة "العام الماضي لم أكن أجرؤ على الخروج من المنزل، كانت الغارات الإسرائيلية أقوى من كل شيء، الهلع يسيطر على الجميع، أما اليوم فنأمل أن نعيش تفاصيل أخرى".
ويحمل الطفل يوسف حجازي (خمسة أعوام)، "فانوس رمضان" يتخذ شكل "الهلال"، وهو يصفق فرحا برفقة شقيقه يونس الذي يبلغ من العمر تسعة أعوام.
ويقول والدهم (أحمد)، إن طفليه يشعران بسعادة بالغة، لأنهم سيذهبون برفقته إلى صلاتي "التراويح" و"الفجر".
"الكل يتوق لرمضان مختلف، الصغار يريدون اللعب بالفوانيس، بالألعاب النارية، النساء تريد إعداد موائد الطعام بشكل أسري دافئ بعيدا عن الأجواء القاسية، وذكريات الحرب". يتابع الوالد.
وتشعر الشابة لبنى السوافيري (29 عاما) بـ"سعادة كبيرة"، لأنها تنوي كما تقول، "استغلال شهر رمضان بالعبادات والطاعات"، مضيفة "في رمضان الماضي، حُرمنا من الذهاب إلى المساجد، وحتى في داخل منازلنا، لم يكن بوسعنا القيام بأي عبادات، الآن بإمكاننا أن نعيش الأجواء الإيمانية، بشكل مثالي".
وتأمل السوافيري أن يمضي شهر رمضان دون أي قصف إسرائيلي يفسد فرحة سكان قطاع غزة.
ومنذ إعلان الاحتلال عن وقف إطلاق النار مع الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة في 26 أغسطس/ آب 2014 بعد حرب استمرت 51 يومًا، جرى تسجيل حوادث فردية لسقوط قذائف صاروخية على جنوبي الاراضي الفلسطينية المحتلة.
أضف تعليق
قواعد المشاركة