مسيرة العودة: المهجرون الفلسطينيون يضيفون بعدا أخر للصراع
أحيا العرب الفلسطينيون في فلسطين المحتلةيوم أمس الذكرى السنوية الـ 67 لنكبة الشعب الفلسطيني في قرية الحدثة المهجرة التي تقع بين جبل الطور وبين بحيرة طبريا بمشاركة الآلاف من العرب الفلسطينيين سكان فلسطين المحتلة.
كانت مئات السيارات والباصات تشق طريقها بين الجبال وأسراب الشجر الممتدة على طول الطريق٫ بعد أن اجتازت الشارع المؤدي إلى طبريا، وسط زخات المطر التي فاجأت جميع المتوجهين إلى مسيرة العودة السنوية للمهجرين الفلسطينيين؛ وذلك بالتزامن مع احتفالات إقامة دولة الاحتلال.
جاء المواطنون العرب إلى الحدثة من كل مكان وكل بقعة سكانية ممكنة في الوسط العربي من الجنوب في النقب وصولا للمثلث والمدن المختلطة حتى الجليل وانتهاء بمتضامنين من أهالي الجولان للتعبير عن تمسكهم بالعودة إلى قراهم وبلداتهم التي طردوا منها وتركوها خلال الحرب التي انتهت بالإعلان عن قيام فلسطين المحتلة.
أما المنظر الذي ساد المكان فقد حمل كل رموز الفلسطينيين من أعلام ولباس وأهازيج وأغنيات حتى يخيل إليك أنك تعيش زمنا آخر لا يمكن أن يتضامن معه غير الفلسطينيين أنفسهم كونه يعبر بشكل متكامل عن جماعة قومية جاءت لتعبر عن تمسكها بهويتها حتى النخاع.
عندما استوقفتها؛ بدت متعبة من المسير المتواصل بسبب سنها المتقدم الذي يبدو أنه عبر سن الثمانين؛ بدت نيتسا أمينوف وهي من سكان مدينة القدس جزءا من الصورة التي تشكلت في المكان؛ "أنا مع حق العودة لجميع اللاجئين الفلسطينيين"؛ قالتها بثقة وأضافت: "منذ عشرات السنين وأنا أناضل ضمن جمعيات ومؤسسات من أجل حق عودة المهجرين واللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم. وأنا أشارك منذ سنوات في كل الفعاليات التي تدعو لتثبيت هذا الحق. يؤلمني أن الحديث اليوم هو عن المهجرين واللاجئين من عام 1967 وأنا أدعو الجميع للتمسك بخيار عودة لاجئي حرب 1948 إلى بيوتهم. فلسطين المحتلةقامت على أنقاض الفلسطينيين وتقضي العدالة بإعادة الجميع إلى بيوتهم".
وذهبت نيستا بعيدا عندما سألتها كيف ترى فلسطين المحتلةفي عيد استقلالها الحالي فقالت: "المذبحة الأخيرة في غزة وأنا أقصد عملية الجرف الصامد كشفت حقيقة المجتمع الإسرائيلي لدرجة أنني صادفت لافتات كتب عليها أن حياة جنودنا هي أهم من حياة المواطنين هناك. هذا الأمر يعكس حقيقة فلسطين المحتلةكدولة تطهير عرقي. أنا اليوم ليس بمقدوري أن أتحمل الحديث عن الفلسطينيين في الضفة الغربية ومعاناتهم وكأن شيئا لم يحدث هنا داخل إسرائيل"؛ وتعتقد نيستا وهي يهودية أشكنازية تربت في بيت يؤمن في أفكار اليمين الإسرائيلي٫ وخسرت بعض أقاربها في الحرب العالمية الثانية على يد النازيين في ألمانيا: "عودة الفلسطينيين والحياة ضمن دولة واحدة ديمقراطية علمانية للعرب واليهود هي الحل الأمثل لإنهاء الصراع؛ ولا أعرف إ ذا كنت سأحظى في العيش حتى هذه اللحظة".
في المقابل فإن مصطفى عسلية جبارين "أبو أكرم" وهو مسن يبلغ من العمر 88 عامًا؛ فيقول: "لن يموت حق العودة ما دمنا متمسكين به؛ ولا اعتقد أن هناك فلسطينيا واحدا يمكنه أن يتنازل عن هذا الحق؛ وأنا أدعو فلسطين المحتلةلتجنح للسلام وأن تعترف بهذا الحق وأن تتحمل مسؤوليتها عما جرى للشعب الفلسطيني إبان النكبة".
أبو أكرم؛ وصل إلى الحدثة مستخدما عكازه الذي يستند عليه بعد أن أعياه المرض والعجز٫ بيد واحد يمسك بحفيده٫ وبجانبه من الجهة الأخرى يقف ابنه. وعندما سئل حول سبب قدومه للمسيرة رغم مشقتها قال: "لهذه المناسبة ذكرى عميقة في حياتي. هذا المكان يذكرني بالأيام التي خدمت فيها في قوة الحدود التي شكلتها بريطانيا في فلسطين قبل النكبة؛ وتذكرني بالطريق التي كنت اقطعها بين القرى التي ملأت سفوح الجبال والوديان خلال مروري عبر نهر الأردن ذهابا وإيابا للأردن خلال تلك الفترة".
ويحمل أبو أكرم في مخيلته حتى اليوم الكثير من الصور للمواقع والقرى التي انتشرت في نفس المنطقة والتي لولا الحرب لما تركها أهلها وتحولت إلى بلدات كبيرة ومدن: "كلي ثقة وإيمان أن هذه البلاد لا يمكن أن تستمر بهذه الطريقة التي يسيطر بها شعب على ممتلكات وأراضي شعب آخر؛ ومهما طال الزمان فإن عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى بيوتهم ستكون أمرًا حتميا لمواصلة الحياة فيها". ويضيف أبو أكرم وكان في شبابه من الناشطين السياسيين في منطقة أم الفحم وقد تعرض للاعتقال والسجن لأكثر من مرة: "لن تستطيع أي قوة في العالم مهما امتلكت من أسلحة أن تقتل حق عودة اللاجئين الفلسطينيين حتى لو تم إقرار ذلك في أي قانون من قوانين الكنيست. حق العودة غير قابل للتفاوض ولا للتنازل وبدونه لن يكون هناك أي سلام حقيقي بين فلسطين المحتلةوالفلسطينيين".
وبين نيستا وأبو أكرم بدت المسيرة مختلفة جدًا لأنها معظم المشاركين فيها هم من الشباب والشابات الذين لم يعيشوا أي مرحلة من مراحل النكبة. الأعلام الفلسطينية والشعارات التي ملأت المكان كانت كفيلة لوحدها ليفهم كل من شارك أن المتمسكين بحق العودة هم من الجيل الثالث بعد النكبة.
أما لؤي خطيب وهو ناشط سياسي من قرية عرعرة ويشارك منذ سنوات طويلة في مسيرة العودة فيرى صورة تحمل المعاني التي تخص الجيل الشاب: "نحن اليوم نحيي ذكرى النكبة في نفس اليوم الذي تحتفل فيه فلسطين المحتلةباستقلالها وهذا تحدي من نوع جديد٫ هذا تحدي لنا جميعا في إعلاء صوتنا لكل العالم بأن الفلسطينيين في فلسطين المحتلةلن يتنازلوا عن حقوق آبائهم وأجدادهم في هذه البلاد؛ هذا يوم نريد أن نذكر فيه كل الإسرائيليين بمأساة شعب يعيشون هم اليوم على أنقاضه".
ويضيف لؤي الذي يفتخر بمشاركة الشباب بكثافة في المسيرة: "أنا هنا ومعي جميع أفراد عائلتي وكلهم من الشباب. وجودنا هنا يحمل دلالة كبيرة بأن الشباب العرب في فلسطين المحتلةمتمسكون بعودتهم إلى البلدات والقرى التي طرد أه منها؛ وأن فلسطين المحتلةلن تستطيع التهرب من هذا الحق، وتمسكنا بهذا الحق سيقود حتما لتغيير هذا الواقع. الشباب اليوم هم من يقودون معركة حق العودة وهذا مؤشر كبير لحقيقة الصراع المستقبلي في هذه البلاد".
أضف تعليق
قواعد المشاركة