خيمٌ في الفراحين
تتكرّر مشاهد النكبة في مختلف مناطق قطاع غزّة، بعد العدوان الإسرائيلي الأخير. ولعلّ أبرز هذه المشاهد، هي للدمار الذي يطوّق عائلات خسرت بيوتها. على طول الشريط الحدودي الفاصل بين دولة الاحتلال ومدينة خان يونس، جنوب القطاع، شيّدت عشرات العائلات النازحة حياً كاملاً من الخيام في منطقة الفراحين، جنوب شرق المدينة.
وهذه المنطقة، التي تبعد نحو 700 متر عن الشريط الحدودي، احتضنت الذين عجزوا عن إيجاد شقق للإيجار، ويئسوا من تأخر انطلاق عمليّة إعادة الإعمار.
أحمد جامع، هو أب لخمسة أطفال، ومن أوّل الذين نصبوا الخيم واتخذوها مأوى لهم. يروي، لـ"العربي الجديد": "دُمّر منزلنا الذي كان يتكوّن من ثلاث طبقات والذي كان يأوي 28 شخصاً.. عائلتي وعائلات إخوتي. وبعدما هدم، نصبنا خيمتَين كبيرتَين على مقربة من منطقتنا"، الأمر الذي شجّع الجيران والأقارب على نصب خيمهم في الجوار.
ويشير جامع إلى أن 25 خيمة تقريباً نُصبت في المكان، لتشكّل حياً متكاملاً مجهزاً بكل الخدمات الأساسيّة، من ماء وكهرباء. لكن ذلك لا يؤمّن لهم حياة كريمة. وهم يتوقّعون أن تطول إقامتهم في الخيم لأشهر عديدة، بعدما فقدوا ثقتهم في لجان الإعمار.
ويلفت جامع إلى أن المساعدات المقدّمة من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيّين، (أونروا)، لم تعد كسابق عهدها. حتى توزيع الأغذية، لا يأتي بشكل منتظم، بالإضافة إلى أنهم لم يحصلوا على أي مبالغ ماليّة لشراء الأطعمة أو استئجار مساكن بديلة. يضيف: "كذلك، نعاني من أزمة غاز كبيرة. وتلجأ ربات بيوت كثيرات إلى استخدام الحطب إن توفّر، لطهي الأطعمة".
شريف مصبح، من سكان تلك الخيم، هو وأشقائه. فهو خسر منزله في أواخر العدوان. يقول، لـ"العربي الجديد"، إن "الخيمة لا تصلح للعيش البشري مطلقاً، نظراً لعدم توفّر سبل العيش الكريمة فيها وتسجيل نقص كبير في كثير من مستلزمات العيش في المنطقة بشكل عام". ووصف الوضع المعيشي في الحي بالمأساوي، مضيفاً أن "ثمّة ودّ وتقارب بين العائلات، لكننا لن نتحمّل هذا العيش طويلاً".
ويخبر مصبح أن العائلات حوّلت إحدى المقطورات إلى حمامات عامة، إذ لا تتوفّر أي منها بالقرب من الخيم، في حين تسجّل حاجة ملحّة إليها من دون أن تستجيب وكالة الأونروا لهم.
من جهته، يخبر أحمد أبو رجيلة أنه وبعد تدمير منزل العائلة الواقع على مقربة من حيّ الفراحين، "رأينا المذلة على مدى أسبوع كامل. وبعدما تركنا منزلنا، عدنا.. إلى محيطه". يضيف، لـ"العربي الجديد": "نحن لا ننتظر من أي جهة رسميّة أي مساعدة. فحالنا ليست سوى نموذج عن معاناة النازحين من بيوتهم".
ويسأل أبو رجيلة: "إلى متى يستمرّ وضع العائلات في الحيّ على ما هو عليه، وسط عدم الاستجابة لأي من مطالب تحسين أوضاعنا؟ وهذا من شأنه أن يزيد من مخاوف أعداد كبيرة من الأطفال والنساء، في ظل غياب أساليب العناية الخاصة من نظافة وتعليم".
إلى ذلك، تثير المنخفضات الجويّة الهلع لدى هذه العائلات التي تحتمي بشوادر، ليس إلا. فقبل أيام مثلاً، فقدت عائلة أحمد أبو دقة في إحدى العواصف التي ضربت البلاد، خيمتها التي حصلت عليها كتقدمة من سلطنة عمان. فيروي أبو دقة، لـ"العربي الجديد"، أنه "ومع بداية المنخفض، دخلت المياه إلى الخيمة بشكل مفاجئ في منتصف الليل. ولم نعد قادرين على النوم فيها ولا حتى الجلوس. كذلك راحت تنتشر الحشرات". ويلفت إلى أنه يشعر "بالحسرة والألم. فنحن نتجرّع العذاب لوحدنا. لا أحد يشعر بنا وبمأساتنا".
وقد لفتت عائلات عدّة في خان يونس إلى أن وزارة الأشغال والإسكان العامة سلّمتها قبل نحو شهر ونيّف خيماً بالية لا تصلح للسكن. وقد عبّر المهجّرون عن سخطهم من التعامل مع مأساتهم بهذه الطريقة، والتباطؤ في عمليّة الإعمار على حساب معاناتهم.
المصدر: العربي الجديد
أضف تعليق
قواعد المشاركة