غزّة تعود للحطب
في مدينة رفح جنوب قطاع غزّة، تعمد ابتسام إلى تحضير الطعام على نار الحطب بعدما تفاقمت أزمة نقص غاز الطهي في القطاع، وقد أضيفت إلى أزمة الإنقطاع اليومي والطويل للكهرباء.
تقول ابتسام إن هذا هو الحلّ الوحيد، على الرغم من خطورته على أولادها الخمسة الذين يتكدسون في منزل صغير ومتواضع تشكّل ألواح الأسبستوس سقفاً له. وتلفت إلى أن الاستمرار في الاعتماد على الحطب، قد يجعله هو الآخر نادر الوجود في غزّة.
ما تعانيه ربّة البيت الفلسطينيّة تلك يتكرّر في معظم بيوت غزّة الفقيرة في الآونة الأخيرة. فقد بات من شبه المستحيل امتلاك أسطوانة غاز مع تفاقم الأزمة، فيما لا تزور الكهرباء منازل الغزيين إلا لساعات قليلة في أوقات غير ثابتة.
وقد جعلت هذه الأزمة الإقبال كثيفاً على شراء الحطب والفحم، بحسب ما يشير أبو رامي الذي يسكن في حيّ الشجاعيّة. ويخبر أن إشعال النار في منزله أضحى طقساً يومياً لإعداد الطعام وكذلك للتدفئة، في ظل انخفاض درجات الحرارة بشكل كبير في الفترة الأخيرة.
ويقول الرجل الأربعيني: "لست من هواة إشعال النار داخل المنزل، لكن الأزمة أجبرتني على ذلك. قبل أكثر من أسبوع، فرغت أسطوانة الغاز ولم أتمكن من تعبئتها. وأمام ذلك، لم يعد أمامنا سوى الاعتماد على الحطب لإعداد الطعام".
يضيف أبو رامي أن زوجته رفضت في بداية الأمر هذا الحل وفضّلت انتظار عودة التيار الكهربائي لإعداد الطعام، نظراً لما ستلحقه النار من أذى في الأواني. لكنها "استسلمت للأمر الواقع في نهاية المطاف. فمشكلة الكهرباء تفاقمت وبعدما كان التيار يؤمّن لخمس ساعات يومياً، أصبح لا يزورنا ولا حتى لدقيقة واحدة في بعض الأيام".
المشكلة تبدو أكثر تعقيداً بالنسبة إلى عائلات غزاويّة أخرى، إذ إن أسراً كثيرة تسكن حالياً في ما تبقى من منازلها التي دُمّرت في خلال الحرب الإسرائيليّة الأخيرة، واحتياجها إلى الغاز والكهرباء أكثر إلحاحاً. فالتدفئة بالنسبة إليها لا تقل أهميّة عن إعداد الطعام.
عائلة أبو صبحي من تلك الأسر. هي تسكن تحت سقف صغير ظل صامداً من أصل منزل كبير كانت تعيش فيه قبل الحرب في بلدة خزاعة جنوب القطاع. ومع انخفاض درجات الحرارة، تبدو الحياة أمراً مستحيلاً من دون حدّ أدنى من التدفئة.
بنبرة لا تخلو من السخرية الممزوجة بالمرارة يقول أبو صبحي إن "إحدى المؤسسات المعنيّة بمساعدة العائلات المتضرّرة من الحرب قدّمت لنا قبل شهرَين مدفأة لعلها تخفف من معاناتنا من برد الشتاء. لكن تلك المؤسسة لم تدرك على ما يبدو أن المدفأة لن تكون ذات قيمة، لأنها تعمل على الكهرباء".
وضع أبو صبحي تلك المدفأة فوق نصف جدار ظل قائماً في داخل المنزل واستبدلها بكانون (موقد) تكاد لا تنطفئ ناره طوال اليوم. يقول: "ما أفعله طوال اليوم هو إشعال الفحم والحطب، ونفخ النار لمساعدة زوجتي في إعداد الطعام، وتوفير التدفئة لأولادي".
لا تقتصر هذه الأزمة على المنازل. فكثيرة هي المطاعم والمحالات التي وجد أصاحبها أنفسهم مجبرين على إغلاقها مؤقتاً، إذ لم يعد بإمكانهم الحصول على الغاز. ورؤية لافتة تشير إلى أن "المطعم مغلق لعدم توفر الغاز"، أصبحت أمراً شائعاً في مناطق القطاع.
لكن ثمّة من آثر المضي قدماً في عمله وتحدي الظروف الصعبة. من هؤلاء ناصر الذي يملك مطعماً شعبياً صغيراً في مدينة خان يونس. فهو ابتكر فكرة إعداد الفلافل على نار الحطب، التي استغربها بعض وسخر منها آخرون. ويقول ناصر إن معدّل البيع انخفض إلى النصف تقريباً بسبب اعتماده على الحطب، لكنه مقتنع بأن ما فعله كان الحلّ الأفضل. ويرى أن "المشكلة ستطول هذه المرّة. لو رضخت هذا الوضع، فلن أعمل أبداً. لذلك سأواصل إعداد الفلافل على الحطب، أياً كانت النتيجة".
المصدر: العربي الجديد ــ عماد منصور
أضف تعليق
قواعد المشاركة