غزة: تماثيل تحاكي النزوح
تحاكي تماثيل يعرضها الفنان التشكيلي الفلسطيني الفنان إياد صباح فوق أنقاض منازل دمرها الجيش الإسرائيلي في الحرب على قطاع غزة، نزوح آلاف الأسر خلال المواجهات الأخيرة في محاولة لنقل ماساتهم إلى العالم.
ويصوّر أحد هذه التماثيل إمراة لا تظهر ملامحها تقف حافية القدمين حاملة طفلها العاري، والى جوارها عجوز يتكئ على عكازه ممسكاً بيده الأخرى فتى ممزّق الملابس.
وبين ركام المنازل المدمرة في حي الشجاعية، في شرق مدينة غزة، يعرض صباح سبعة تماثيل تجريدية لشبان ونساء وأطفال تبدو على سماههم علامات الحزن والبؤس.
وتعكس التماثيل عائلات من الشجاعية كانت فرّت تحت وقع القصف الإسرائيلي خلال الحرب التي استمرت خمسين يوماً.
وحي الشجاعية من أكثر المناطق التي تضرّرت خلال الحرب التي لم تسفر فقط عن مقتل حوالي 2100 فلسطيني، بل أدت كذلك إلى تدمير نحو 60 ألف منزل.
وصنع صباح، أستاذ الفنون الجميلة في جامعة الأقصى، تماثيله في ورشة متواضعة بمنزله، من مادة "فيبرغلاس" تمّ طلاؤها بطين الفخار.
ويقول في هذا الصدد: "التماثيل فن جديد هنا لتجسيد مأساة أهل غزة في الحرب الإسرائيلية" مؤكداً أنه فوجئ بالإقبال الشديد من المواطنين على هذه الفكرة بعدما كان يخشى رفضها نظراً للطابع الاجتماعي المحافظ في القطاع.
وفور بدء تثبيت التماثيل في ساعات الصباح، تجمّع عشرات الأطفال الذين غادروا للتو مدرستهم المجاورة والمتضرّرة جزيئاً في المنطقة القريبة من الحدود مع إسرائيل.
وقال التلميذ الابتدائي في مدرسة "بيت دجن" البعيدة، مئات الأمتار عن المستشفى، صلاح الخيسي: "التماثيل جميلة، لكن لا أعرف لماذا يضعونها هنا في المنطقة التي قصفها اليهود".
لكن محمد اللطيف ( 20عاماً)، الذي تدمّر منزله في حي النزاز، تدخّل قائلاً: "هذه التماثيل تُذكرنا بأيام الحرب، هربنا رجال ونساء وأطفال حفاة وبعضهم فرّ بملابسه الداخلية".
ويشرح صباح: "هذا المشروع يحاكي نزوح أهالي أكثر الأحياء دماراً (الشجاعية) من منازلهم أثناء الحرب (...) أحاول فضح الجرائم الإسرائيلية التي ارتكبت هنا".
ويضيف: "هذا الفن لا يعرفه الناس في غزة. إنه غريب بالنسبة إليهم، نحاول عبره أن نُعالج الجانب الإنساني، فالفلسطيني أصابه الدمار النفسي والانهيار المجتمعي".
ويؤكد: "رسالتنا تكمن في جعل إسرائيل تدرك أنها دمّرت الإنسان كما دمّرت المنازل والمنشآت".
من جهته، قال الأستاذ في كلية الفنون الجميلة في جامعة الأقصى محمد مسلم إن الفكرة "نجحت ووصلت للعالم".
وبعدما أكد الصعوبات المالية لتغطية تكلفة المشروع، أشار مسلم إلى دعوة المؤسسات الدولية لتوفير الدعم المالي لعرض ضخم يشارك فيه فنانون فلسطينيون وعرب وأجانب.
وأضاف: "الأشكال توحي بالدمار ومزروعة بين الركام، إلا أنها تنبض بالحياة فالأسر تنهض من جديد وبحاجة لمساعدة العالم لكي تستعيد الحياة"،لكنه استدرك متسائلاً: "ما هو مصير هذه الأسر التي نهضت من تحت الرماد وأين الإعمار"؟
وحتى الآن، تتعثّر عملية بدء إعادة إعمار قطاع غزة لعدم سماح إسرائيل بإدخال المواد اللازمة لإعادة البناء.
ودمّرت إسرائيل ستين ألف منزل جزئياً أو كلياً في القطاع بحسب الفلسطينيين.
وأجاب مسلّم، رداً على سؤال حول تعارض هذا العمل مع القيم الدينية، أن "النحت الواقعي المطلق تجريدي لمجسمات مفرغة من الخلف أي غير كاملة، لا يصطدم مع القيم الدينية والأخلاقية للمجتمع الفلسطيني".
وتبدو واجهة التماثيل متماسكة، لكنّها فارغة من الخلف، وتشقّق الطين للإيحاء "بانهيار المجتمع والانتهاكات الصارخة بحق الإنسان الفلسطيني" بحسب صباح.
وقال: "الكثير من السياسيين تحدثوا عن إعادة إعمار غزة، لكنني أردت توجيه الأنظار إلى الدمار على المستوى الإنساني (...) لذا، يبدو العمل من الواجهة صلباً، لكنّه فارغ من الخلف لتجسيد الانتهاك الحقيقي لحقوق الإنسان".
المصدر: (ا ف ب)
أضف تعليق
قواعد المشاركة