تقدير استراتيجي لـ"الزيتونة": التفاعل الجماهيري في أوروبا مع فلسطين خلال عدوان 2014
نشر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت، تقديره الاستراتيجي الثاني والسبعون بعنوان: التفاعل الجماهيري في أوروبا مع فلسطين خلال عدوان 2014 وآفاقه المحتملة. وجاء فيه ما يلي:
شهدت أوروبا خلال العدوان الإسرائيلي في صيف 2014 على غزة تطوراً مهماً في التفاعل الجماهيري المناهض للاحتلال الإسرائيلي وعدوانه على الشعب الفلسطيني، وقد تجلّى ذلك في حجم التفاعل واتساع نطاقه والتطور النسبي في أشكاله التعبيرية، وتنسيق التحركات ونسج التحالفات في المجتمع المدني والميدان الجماهيري. وقد اتسم هذا التفاعل، في العموم وليس على الإطلاق، بالتنوع في مكوناته، وبانضمام فئات وشرائح متزايدة إليه في عدد من الدول الأوروبية.
لقد أظهرت الاستجابة الجماهيرية العارمة تحولات متعددة طرأت في أوساط المجتمعات الأوروبية في الموقف من الاحتلال الإسرائيلي وسياساته وانتهاكاته، وإن لم ينعكس ذلك بوضوح على المواقف السياسية الرسمية في أوروبا التي بقيت تقريباً محتفظة بقدر من الثبات.
وتتمثل الآفاق المستقبلية للتفاعل الجماهيري مع فلسطين في سيناريو التطور، أو سيناريو الثبات النسبي، أما سيناريو التراجع فيبدو مستبعداً إلى حدّ كبير. فمن المرجح أن تتطور حالة المساندة والتأييد للحقوق الفلسطينية في أوروبا، مستفيدة من تراكم الخبرات والتجارب المتلاحقة، وكذلك من الإمكانيات المتزايدة للمجتمع المدني وقدرات التكتل والمبادرة في النطاق الجماهيري، بما يترتب على ذلك من تنامي صيغ التفاعل وضخّ طاقات متجددة في مسارات العمل المدني المتنوعة في خدمة القضية الفلسطينية في القارة.
منذ الأيام الأولى للعدوان الإسرائيلي على غزة في صيف 2014، انطلقت موجة الفعاليات الجماهيرية المنددة به في أنحاء متعددة من أوروبا، فتميزت بالسرعة نسبياً، على الرغم من طبيعة موسم الصيف الذي تتعطل فيه البرلمانات والجامعات والنقابات، وتصاعدت وتيرة التفاعل عبر 51 يوماً من العدوان. كان هذا العدوان هو الثالث على التوالي خلال سنوات ستّ، بما راكم الخبرات الجماهيرية وأبقى التفاعل مع القضية الفلسطينية في القارة الأوروبية في حالة يَقِظة نسبياً. وشهدت الشهور القليلة التي سبقت العدوان محطات في التفاعل الجماهيري عبر أوروبا مع التطورات الفلسطينية، مثّلت تهيئة للاستجابة الجماهيرية السريعة والواسعة للعدوان على غزة.
ويمكن تصنيف الجماهير التي خرجت ضدّ العدوان في أيامه الأولى بأنها تلك التي كوّنت مسبقاً مواقفها ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، ولذا فقد سارعت للتفاعل مع العدوان في أيامه الأولى مستحضرة في الغالب مدركاتها السابقة عن الاحتلال الإسرائيلي وانتهاكاته وحملاته العسكرية. وتبرز في هذا السياق منظمات واتحادات وتجمّعات وحركات تضع قضية فلسطين ضمن أولوياتها، إن لم تكن مختصة بذلك حصراً. ومع استمرار العدوان أخذت فئات وشرائح جديدة تنضم إلى موجة التنديد به، ومعها شخصيات عامة انخرطت في الفعاليات الجماهيرية أو خرجت بمواقف وتصريحات في وسائل الإعلام والشبكات الاجتماعية.
وبرزت في هذا السياق ظاهرة التخصص في الأداء الجماهيري الأوروبي الداعم لقضية فلسطين، ونشأت جماعات القضية الفرعية الواحدة ضمن ملفات القضية الفلسطينية، مع تجاوز الأطياف الأيديولوجية إلى العمل التخصصي. كما انتقل الأداء من التركيز على إبراز التعاطف التقليدي إلى برامج العمل المبادِرة والضاغطة. وتطورت في غضون ذلك أطر من التعاون والتنسيق والشراكة والتحالف في مجالات مساندة قضية فلسطين، وتفاعل ذلك مع تنامي اتجاهات التشبيك في العالمين الواقعي والافتراضي وتعاظم خبرات المجتمع المدني وقدراته وأدواره.
المصدر: وكالات
أضف تعليق
قواعد المشاركة