«المعايدات الإلكترونية» تحلّق بالفلسطينيين … فوق الحواجز والحدود
يجد كثيرون في العيد مناسبة لاجتماع العائلة والتواصل بعد فترات انقطاع بسبب الاعمال والدراسة والانهماك في شؤون الحياة اليومية، لكن الأمر يبدو مغايراً في فلسطين، خصوصاً مع إمعان الاحتلال في تقطيع أوصال المدن والبلدات. فأهل الضفة الغربية يحتاجون إلى تصاريح للتواصل مع أقاربهم وأصدقائهم في القدس، أو في المدن الفلسطينية المحتلة عام 1948، أما التواصل المباشر ما بين الأقارب والأصدقاء في غزة فبدوره أمر غاية في التعقيد، لأن التصاريح شبه مستحيلة، والرحلة تتطلب السفر من رام الله أو غيرها من مدن الضفة إلى الأردن، ومن الأردن إلى مصر، ومنها إلى غزة عبر معبر رفح مع الأخذ في الاعتبار أن هذا المعبر يغلق في الكثير من الأحيان، والأولوية تعطى للمرضى والطلاب وأصحاب الجنسيات الأجنبية والمقيمين في الخارج وبالتالي فهي مشقة ومغامرة كبيرة.
ولهذا يجد الفلسطينيون في ما يمكن تسميته بـ «المعايدات الالكترونية» وسيلة للتحايل على الحصار المفروض عليهم، وحالة الشتات التي يعيشونها، ومن بينها برامج الحاسوب وأجهزة الهاتف الذكية من سكايب، وفايبر، وواتساب، وتانغو وغيرها، إضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، وعلى رأسها «فايسبوك»، وبطبيعة الحال الرسائل القصيرة عبر الهاتف.
ويساعد الشاب محمد سعادة والدته الأربعينية التي تقيم في بلدة قرب رام الله، في التواصل عبر «سكايب» مع افراد عائلتها المقيمة في أحد المخيمات اللبنانية. وتجد فيه الأم في الخدمة الالكترونية «نعمة كبيرة»، فهو يوفر فرصة اللقاء الافتراضي مع الأسرة صوتاً وصورة. ويقول: «هذا الاختراع سهّل إمكان التواصل في العيد وغيره بين والدتي وأسرتها. لولاه لما شاهدت والدتي والدتها وأشقاءها وشقيقاتيها وأولادهم. ولولا سكايب لما عرفت الكثير منهم، بخاصة الجيلين الثاني والثالث من أفراد العائلة».
أما الأم فقالت: «منذ صباح يوم العيد وابني محمد يربطي بأفراد أسرتي عبر الشبكة. فهم يعيشون في مخيمات لبنان، وانا في رام الله، ولي شقيقة في الإمارات وأخرى في كندا. كم هو شعور رائع أن أقضي العيد معهم، فهذه التقنية تكسر الحواجز والمسافات والفوارق الزمنية. صحيح أنه شعور ناقص بفرحة اللقاء، فلا يمكنني احتضانهم، واستنشاق روائحهم، لكنه بطبيعة الحال أفضل من لا شيء».
وتنطبق حال السعادة التي عاشها محمد ووالدته على الآلاف ممن يعيشون في مدن الضفة الغربية وبلداتها ومخيماتها، ولهم أقارب وأصدقاء في القدس والداخل الفلسطيني المحتل وقطاع غزة، علاوة على مخيمات العالم. فالتكنولوجيا، ولو افتراضياً، أزاحت الحواجز العسكرية الإسرائيلية، وأزالت الحدود بينهم، هم الذين لم يلتق بعضهم بعضاً لما يزيد على عشرين عاماً.
وشدد المتخصص في شؤون الاتصالات والمعلوماتية صبري صيدم لـ»الحياة» على أن «كل ما له علاقة بالتواصل الاجتماعي ما بين الفلسطينيين في الداخل والشتات عبارة عن جسر يتجاوز حواجز الجغرافيا، وكل المعوقات التي اعتاد عليها الشعب الفلسطيني للوصول إلى امتداده الأسري العائلي». وقال: «في العيد، هناك نكهة خاصة لاستخدام التكنولوجيا، بخاصة في ما يتعلق ببرمجيات التواصل الحي المتعددة التطبيقات، وأيضاً الاتصال المرئي المباشر، والذي من شأنه أيضاً تجاوز عوائق الجغرافيا، وصعوبات السفر، والمعوقات التي يفرضها الاحتلال».
وقال صيدم: «في ما يتعلق بالحيز الاجتماعي واستخدام التكنولوجيا، لم تستطع الأسرة الفلسطينية مواكبة عمليات التغيير السريعة في هذا الاتجاه، حيث لم تجد ثقافة التعامل الرقمي مساحة واسعة لها بين العائلات الفلسطينية بما يتوازى مع التطور التقني، بخاصة في العقد الماضي. لكن بغض النظر عن سلبيات التكنولوجيا التي تعاني منها كل المجتمعات، تبقى للتكنولوجيا أهمية خاصة بالنسبة الينا لإيصال صوتنا وقضيتنا إلى العالم، اذ شكلت لنا منصة مهمة في تعزيز مؤازرة الشعوب لحقوقنا، ناهيك بتواصل الأسر الفلسطينية، والذي ساهمت التكنولوجيا في تعزيزه، بعد القضاء على الكثير من المعوقات التي وضعها الاعتقال، وكانت تشكل حواجز أمام تواصل الأسر الفلسطينية مع بعضها بعضاً».
المصدر: الحياة
أضف تعليق
قواعد المشاركة