«كي لا ننسى صبرا وشاتيلا»: الضغط لرفع الحصار عن عزة
«إنتِ رايحة تزوري إبنك.. تعي امشي قدّام»... هذا كل ما بقي حياً من ذكرى المجزرة، ينادي أحد المنظمين امرأة تلبس عباءةً سوداء، طالباً منها أن تسير في المقدّمة، مخاطباً إياها بأم الشهيد.
تحتفظ أم الشهيد بصورة كبيرة لابنها وتحضنها بين ذراعيها.. هي كلّ ما بقي من ذاكرة منزلها وعائلتها في المخيم منذ ثلاثة عقود. وعلى الرغم من مرور الزمن على هذه الصورة، لا تزال خلفيتها بيضاء نقيّة ونظيفة كأنها صُوِّرَتْ أمس. تتقدم هذه المرأة بثباتٍ وعنفوان تام وهي تعانق صورة ولدها، ترى حرقة الاشتياق والألم في قلبها، لكن تغلبها اليوم ببسمة تعكس لهفة اللقاء.
في المخيّم، لم تبقَ أي ذكرى حيّة لأيام المجزرة ومُرتكِبيها، فالأبنية عُمِّرَت، وسُكانها يُمارسون حياتهم اليومية. لكن، في باحة ترابيّة على يمين المدخل حيث يرقد الشهداء، وربما حيثُ رمى المجرمون جثثهم، تبقى الذاكرة الأليمة هي الأساس، حيث إن الرسومات التي تحتويها جدران الباحة تؤدي دوراً في أن تدور في مخيّلة الزائر مشاهد المأساة التي تركها المجرمون خلفهم.
سبق المسيرة احتفال، على مقربة من مخيم صبرا وشاتيلا في المركز الثقافي لبلدية الغبيري ـ قاعة «رسالات» صباح أمس، شارك فيه كالمسيرة كبار وصغار ووفد «كي لا ننسى صبرا وشاتيلا» الدولي. جاؤوا جميعاً للتعبير عن رفضهم الإجرام الإسرائيلي المستمر منذ نحو سبعة عقود.
داخل القاعة، أطفال يحملون أعلام فلسطين. أما أهاليهم، فتارة تسمع منهم كلمات التنبيه والحرص على أطفالهم، وتارة أخرى تراهم يشجعونهم على التلويح بالعلمِ، كأنهم يرون فيهم الأمل، بين الحاضرين من شهدوا أطفالهم وهم يُقتلون أمام أعينهم.
من دون أي رادع
«لقد أخذنا على عاتقنا الضغط على حكوماتنا لرفع الحصار عن عزة». هذا العهد ليس لمواطن أو سياسي عربي، إنّما لعضو «كي لا ننسى صبرا وشاتيلا» الايطالي موسيلينو، الذي دعا إلى التضامن مع ضحايا المجزرة البشعة والعمل الجاد لوقف جرائم إسرائيل التي ما زالت ترتكبها غير آبهة بأي أعراف أو قوانين ومن دون أي رادع».
بينما قال سفير دولة فلسطين أشرف دبور، في مهرجان نظمته بلدية الغبيري لمناسبة الذكرى الـ32 للمجزرة، في قاعة «رسالات»، إن «المشروع الصهيوني يقوم على تحطيم إرادة الشعب الفلسطيني من خلال ارتكابه المجازر».
واعتبر رئيس البلدية محمد سعيد الخنسا أن «المقاومتين في لبنان وفلسطين اشتد عودهما بعد ارتكاب المجزرة، ليأتي الحصاد انتصارات في 2000 و2006 في لبنان وفي 2008 و2012 و2014 في غزّة عنوان الصمود والكرامة».
وألقى محمد ابو ردينة كلمة باسم عائلات شهداء المجزرة.
ثم توجّه المشاركون إلى مقبرة شهداء المجزرة، حيث وضعوا أكاليل من الزهر.
ملاحقة إسرائيل
وأشار رئيس «شبكة المنظمات الأهلية في غزة» محسن أبو رمضان وهو شاهد على الحروب الثلاث ضد قطاع غزة، خلال كلمته في الاحتفال، إلى أن غاية العدو الإسرائيلي من خلال المجازر التي لا يزال يرتكبها منذ سبعة عقود هي إبادة الشعب الفلسطيني، لافتاً الانتباه إلى أنه خلال العدوان على القطاع تم محو 89 عائلة فلسطينية من السجل المدني. ويُشدد على أنه من دون ملاحقة إسرائيل في المحاكم الدولية، ستستمر في عدوانها ومجازرها.
واعتبر رئيس «المنتدى القومي العربي» معن بشور، في حديث إلى «السفير»، أن «المناسبة لا تذكرنا بمجزرة صبرا وشاتيلا فحسب، بل تذكّرنا بالإجرام الإسرائيلي وكل المجازر التي ارتكبها العدو منذ بدء الاحتلال»، مشيراً إلى أن ما بقي من ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا هو رمزيتها، لأنها مجزرة بحق الأمة جمعاء، إذ إن ضحاياها من مختلف الجنسيات العربية، اللبنانية والمصرية والسورية والفلسطينية، جميعهم قتلوا على ايدي العدو الإسرائيلي وعملائه.
في ختام الاحتفال، يعود المشاركون أدراجهم، ويبقى أهالي ضحايا المجزرة قرب أضرحة أبنائهم، يستكملون زيارتهم قبل إلقاء الوداع بكلمة «إلى اللقاء».. وبين أمس واليوم، يبقى العدو ذاته، والضحية ذاتها بصمودها وصبرها، والمتضامنون ذاتهم من مختلف أنحاء العالم، وبعض العالم يبقى على حاله متفرجاً ولا يُحرك ساكناً.
المصدر: إبراهيم خليل شرارة - السفير
أضف تعليق
قواعد المشاركة