اللاجئ جمال أبو طالب فلسطيني من سورية يروي معاناته
يعانق جمال أبو طالب أصابع يديه المنهكتين تعبيراً عن عجزه وتشتته في يوميات نزوحه إلى لبنان. وكأن مشهد يديه يعكس حاله منذ وصوله إلى مخيم للنازحين السوريين في البقاع. يصفن لثوان وهو يحاول أن يروي قصته، وكأنه عاجز عن تحديد الحدث الأكثر مأساوية في حياته ليبدأ منه. فيلجأ إلى الترتيب الزمني للحكاية.
جمال (38 عاماً) من أب غزاوي وأم حمصية. نُفي والده من غزة سنة 1970 هرباً من ثأر عشائري بجواز سفر مزوّر. فاضطر للجوء إلى الأردن، ومن ثم إلى سوريا. في حمص، تعرّف على روز، تزوجها ورزق بجمال. حصل بعدها على وثيقة صادرة عن «السلطة الفلسطينية» من مصر (لأنه من غزة)، وتوفي بعد سنتين على ولادة جمال قبل أن يتمكن من التسجيل كلاجئ فلسطيني في «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين - الأونروا». عاش جمال وحيداً مع والدته التي لم تعطه هويتها السورية (لأنه لا يحق للمرأة السورية منح جنسيتها لأولادها).
إلا أن مشكلة عدم حيازته بطاقة لاجئ فلسطيني لم تظهر إلا مع بداية الأزمة السورية. دمّر منزله في حمص واضطر للنزوح مع عائلته إلى لبنان، وهو مصاب بسرطان المعدة منذ أربع سنوات. يتوقف عن سرد التفاصيل وكأنه يستدرك «المصيبة» الأساس: لا «المفوضية العليا للاجئين» تعترف به لأنه سوري - فلسطيني، ولا «الأونروا» تعترف به كلاجئ فلسطيني. كان علاجه الاستشفائي وأدويته متوفرة بشكل شبه مجاني في سوريا، لكنه يعيش هنا «صدفة» في ظل حرمانه من حقوقه في المساعدة والحماية.
«كنت عايش بحمص نظامياً على هوية السلطة الفلسطينية، ما بفرق شي عن حياة السوري. هوية السلطة كبيرة شوي، بس وثيقة»، يقولها ممازحاً. لم يتلقَ جمال علاجه منذ نزوحه لأن ثمن جرعة العلاج الواحدة يبلغ ألفين وخمسمئة دولار (كل شهرين). «أتمنى دخول المستشفى، عايش على المسكنات وحبوب الكورتيزون. وضعي صعب، أعاني من ورم في القدمين يمنعني من التحرك». تعاطف معه مؤخراً موظفون من «الأونروا» وجمعوا تطوعاً ثمن مسكناته، وتبرعوا له بالمبلغ، لأن «مؤسستهم» ترفض الاعتراف به على الرغم من ظروفه الإنسانية.
لم تجب «الأونروا» على أسئلة «السفير» بشأن الأسباب القانونية أو العملية لعدم الاعتراف به كلاجئ سوري فلسطيني في لبنان، وكيفية التعامل مع حالات مماثلة. وقد اكتفى المتحدث باسم «الأونروا» كريس جونيس، بعد إرسال التفاصيل المتعلقة بحالة جمال، بالقول: «قد تكون تلك الحالة مؤهلة للحصول على خدمات من الأونروا، بما في ذلك خدمات الطوارئ المختلفة، ولكن الحالة تحتاج إلى المزيد من الدراسة، قبل اتخاذ أي قرارات نهائية».
تحدق والدته به وهو يحكي قصته، تقاطعه بجمل مقتضبة: «الحقّ عليي اتزوجت فلسطيني». لا تغيب الابتسامة عن وجهها وإن كانت تحجب حزناً عميقاً. «يا ريت يا ابني ترجع على غزة، بتعيش أحسن هونيك مع زوجتك وولادك». تدمع وهي تقول له: «بس ما بقدر إجي معك غزة، أنا بدي إرجع حمص». ينظر جمال إليها بصمت ثقيل من باحة خيمته وهو يشدّ على أصابعه المتعانقة.
المصدر: كارول كرباج - السفير
أضف تعليق
قواعد المشاركة