ذكرى النكبة 76

من النكبة إلى الطوفان.. شعبٌ لا يستسلم

منذ 6 أشهر   شارك:

شبكة العودة الإخبارية – أحمد موسى

كانت البداية منذ أن كان جنيناً يسمع همسات وذبذبات وحركات من الفجر الباكر، حين كانت أمه تعجن العجين وترقرقه على يديها، ويتمايل في أحشائها، ويشعر بحرارة ودفء التنور ويشتمُّ رائحة الخبز، مع هدهدة أمه، وأهازيج ظريف الطول، ويسمع طرقَ نعال أبيه وجدّه فور عودتهم من الأرض، وفي المساء تبدأ الدواوين ويسمع أصوات كبار السن، وتارة يسمع صوت الأعراس الشعبية وصدى زغاريدها.

مهد الولادة كان منذ 107 أعوام وتحديداً 1917، كانت البدايات مع الوعد المشؤوم، ومرت الأحداث منذ نعومة أظافره، وهو يكبر ويحمل المآسي في قلبه ووجدانه، بدءً من حكم الانتداب البريطاني مروراً بالأحداث والمحطات الهامة التي عصفت بفلسطين.

 

وما لبث الطفل أن شهد ثورة البراق وإعدام الأبطال عطا الزير وفؤاد حجازي ومحمد جمجوم.. ورأى القرويين يبيعون حليّ نسائهم ليدعموا ثورة الشيخ عزّ الدين القسّام ورفاقه، ولم ينسى جنازة شهداء عصبة القسّام سنة 1935، ثم سلسلة الأحداث التي اشتعلت بين عامي 1936 و1939 والتي سميت بالثورة الفلسطينية الكبرى.

 

احتقنت الثورة في داخله حتى انفجرت عام 1936، وشهد أطول إضراب شعبي في التاريخ، وعايش الإضراب واجتماع الأحزاب العربية الفلسطينية، والقوى الشعبية والمجاهدين وحركة الجهاد المقدس، وقرأ الصحف الفلسطينية، وعلم كيف تمّ وأدُ الثورة سنة 1939، وأحصى في هذه الثورة أكثر من 5000 شهيد و12 ألف جريح.

بدأ شعور الخوف ينتاب قلبه كما الكل الفلسطيني، حين استغلت بريطانيا انتدابها وعملت على تسهيل هجرة العصابات الصهيونية، ويذكر وصف أجداده حين قالوا: إنهم يدخلون الأرض كما يدخل اللص في عتمات الليالي. وفي عام 1948 أصبح الفتى رجلاً رشيداً يحمل هم الوطن، وشهد الهجوم الذي قامت به عصابات الهاغانا والأرغون، ورأى بأمّ عينيه المجازر بحق أهله التي ارتكبت في بعض القرى والمدن الفلسطينية، فلا تتسع الأسطر لذكرها لكن أسماءها معروفة ومحفورة في ذاكرته، ويتذكر مجازر دير ياسين ومجازر القرى في حيفا وعين الزيتون واللدّ والرملة والدوايمة وبيت دراس و..و..

 

انتظر الجيوش العربية آملاً بنجدة الأخ الكبير، لكن لا حياة لمن تنادي، وسُلّمت فلسطين للاحتلال وسط تخاذل الأنظمة وحسرة الجنود والثوار، ليقدّموا أرض كنعان أرض الأجداد لمن لا يستحقها.

وهاجر مع أهله إلى المنافي وانتقل بين الخيمة والخيمة، وكانت آخر محطة له في مخيمات غزة، وشهد بعدها النكسة 1967 وعايش أخبار الثورة من الأردن ولبنان، وكان الجرح في كل حدثٍ جديد يكبر في وجدانه والمأساة تتعاظم في ذاكرته، وكان يردد على شفتيه أن كل المأسي تُنسى بفعل الزمن إلا هذه المأساة؛ مأساة شعبٍ بأكمله، وتزداد وطأتها وبشاعتها ومرارة الحرمان يوماً بعد يوم وعاماً بعد عام.

 

ولا يزال الجرح ينزف نزفاً عميقاً، حتى أحدث حفرة عميقة لتزداد مساحتها مع مرور الوقت والزمن وبلغ من العمر عتيّاً واشتعل رأسه شيباً، وقد شعر بدنوّ الأجل في مرحلة حرجة من تاريخ صراع طويل الأمد، ولكن بدل أن يموت هذا الشيخ وهذه سُنّة الحياة، ولد من جديد. كيف يولد شخص بعد أن بلغ أرذل العمر؟

107 سنوات.. عمرٌ يمرّ بالألم حتى بدأ يفكر في لملمة وبلسمة الجراح، فوقف في وجه الريح.. وعاند التيار، وأصرّ على أن ينال حقه بيديه، فشمر عن ساعديه السمر بجد، وتحركت روح التضحية والفداء، وأخذ زمام المبادرة ليعلّم العالم بأسره معنى حب الأرض والوفاء للوطن، ليُشكّل علامةً فارقةً في معركة مفصلية لحرب ضروس.

 

وقف هذا الشيخ، بهمة الشباب وخبرة الكبار، وأعلن اسمه هذه المرة، لم يعد اسمه "النكبة".. فهو منذ الآن "طوفان الأقصى"، قرّر أن ينفجر بدلاً من أن يذوي في التراب، وقد بلغ السيل الزبى، فتجهز ليقلب الموازين ويوقظ العالم كي يلتفت إلى قضيته، فانفجر الطوفان الهادر وكسر حاجز الوهم والخوف من الكيان الذي "لا يقهر"، فأنتج دورة كاملة من روح الفداء والتضحية، والقيادة المدرِكة لإدارة المعركة بكل تفاصيلها الدقيقة، وحمل مسؤولية المعركة بكل حنكةٍ واقتدار نتجت عن رؤية مستقبلية بحتمية الانتصار بالاعتماد على الله وحده. وسجل الطوفان اسمه بحروف من ذهب، أحدثت تغييرات استراتيجية وتحولات تاريخية وقلبت الموازين والمعادلات العسكرية، وسجلت نقطة تحول في مسيرة نضال شعبنا، وأسقطت كل زيف المجتمع الدولي المنافق، وضربت نموذجاً يحتذى به وغيرت مبادئ وقواعد وأسس الصراع، ووجّهَ ضربة قاسية لكل المطبعين والعملاء في المنطقة، معلناً حتمية العودة الكريمة بعد نصر مظفر، وصلاة في رحاب في المسجد الأقصى المبارك بجهود أبطاله الميامين.

 

الطفل الذي كان اسمه ثورة البراق وأصيب بالنكبة والنكسة، وحاول في الانتفاضات أن يكسر كل هذا، ووسط كل هذا التخاذل والتآمر، انتفض وتسمى "طوفان الأقصى".

هو هو، هو نفسه الذي احتلوه وظلموه وسرقوه، وقتلوا أبناءه وسلبوا أرضه عاد إليهم براً وبحراً وجواً.. مؤمناً بأن وعد الله للطائفة المنصورة سيتحقق ولا يخلف الله وعده.



السابق

ثلاث مراسلين فلسطينيين في غزة يفوزون بجائزة الصحافة المتميزة

التالي

في الذكرى 76 لنكبة فلسطين "مؤسسة العودة الفلسطينية": التحرير قادم والعودة حتمية


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

صقرٌ مِنَ بيريّا

شخصية وطنية فلسطينية، ورمزٌ من رموز الشعب الفلسطيني في مخيم شاتيلا. ترك فرحات سليم فرحات بصمة لا تُنسى في قلوب من عرفوه وأحبوه، وس… تتمة »


    ابراهيم العلي

    في ظلال يوم الأرض الفلسطينون : متجذرون ولانقبل التفريط

    ابراهيم العلي

     يعد انتزاع الاراضي من أصحابها الأصليين الفلسطينيين والإستيلاء عليها أحد أهم مرتكزات المشروع الصهيوني الاحلالي ، فالأيدلوجية الصهي… تتمة »


    تتقدم مؤسسة العودة الفلسطينية من عمال فلسطين بأطيب الأمنيات وأجلّ التحيات لما يقدمونه من جهد وعمل وتضحية..
صامدون - عاملون - عائدون
    تتقدم مؤسسة العودة الفلسطينية من عمال فلسطين بأطيب الأمنيات وأجلّ التحيات لما يقدمونه من جهد وعمل وتضحية.. صامدون - عاملون - عائدون