الصحافة الفلسطينية في ظل الانتداب البريطاني

منذ سنتين   شارك:

 شبكة العودة الإخبارية –أحمد موسى

شهدت الصحافة في عهد الانتداب تطوراً جزئياً على مستوى الصحافة، فأصبحت تنشط بالمثقفين، وأصبح المثقفون رأس الحربة في الريادة الفكرية الفلسطينية المعاصرة، وانتشرت الكتابة الصحفية في عموم البلاد

وفي سنة 1918 أصدرت قيادة الانتداب البريطاني صحيفة رسمية حملت اسم "the Palestine news" وكانت تصدر من القاهرة وموجهة إلى عرب فلسطين، واستمرت في الصدور تحت هذا الاسم، حتى أصبحت تصدر باسم "الوقائع الفلسطينية" حتى نهاية 1931.

واحتلت مدينة القدس مكانةً مرموقةً في مجال إصدار الصحف، فصدر فيها العديد من الصحف والمجلات، وكانت صحيفة "سورية الجنوبية" التي أصدرها عارف العارف في 1919، من أوائل الصحف الجديدة التي ظهرت آنذاك، وفي 1919 أيضاً أصدر بولس شحادة صحيفة "مرآة الشرق"، التي كانت من أقوى الصحف الوطنية، ثم أغلقتها السلطات البريطانية عام 1939.

عُقد المؤتمر الصحافي العربي الأول في الثامن من حزيران عام 1924، وكان له أثر في تنشيط الحركة الصحفية، وتوجيهه إلى خدمة المواطن من خلال العناية بالمسائل الاقتصادية والزراعية والإكثار من الكتابة فيها لتشجيع زيادة الإنتاج الزراعي.

وبعد عدة استشارات نقابية من أصحاب الصحف الذين حضروا المؤتمر، تم انتخاب عيسى البندك (صاحب جريدة "صوت الشعب")، وعبد الله القلقيلي (صاحب جريدة "الصراط المستقيم") ممثلين للنقابة، وعُهد إليهما تقديم قانون النقابة إلى الحكومة، وإبلاغ قرارات المؤتمر. ويهدف تشكيل النقابة الفلسطينية إلى جمع كلمة الصحفيين بمواجهة إجراءات الانتداب البريطاني، والدفاع عن آراء الأمة في قضيتها السياسية والحفاظ على المصلحة العامة، وتبادل الاحترام المهني والأخلاقي بين الصحفيين، ومراعاة حقوقهم على اختلاف آرائهم السياسية وتوجهاتهم الفكرية.                 

وتألفت أول نقابة للصحافة الفلسطينية عام 1927 باسم "نقابة الصحافة العربية في فلسطين". ورغم تعدد الأحزاب السياسية على مختلف الصحف العربية في فلسطين، إلا أنها ساهمت في زيادة حدة الخصومة السياسية بين الزعامات الفلسطينية، ولكن المفكرين والمثقفين الثوريين تنبهوا إلى خطورة هذه الخلافات على القضية الوطنية؛ فعقدوا مؤتمراً في مدينة يافا سنة 1927، حضره ممثلون عن الصحف الفلسطينية آنذاك.

وعلى الرغم من هذا الاهتمام من قبل الانتداب البريطاني، إلا أن الصحافة الفلسطينية عاشت ظروفاً قاسية، فقد شرعنت حكومات الانتداب المتعاقبة مجموعة من القوانين والأنظمة، التي حاولت جاهدة أن تحدّ من قدرة الصحافة الموجهة، ووضعت بعدها مجموعة أخرى من القوانين التي كانت أكثر تصلباً، وكانت دائرة التحقيق الجنائي لسلطة الانتداب هي المعنية بالإشراف والمراقبة على الصحف الصادرة.

وأسهمت الصحافة في بروز الدور القوي والواسع في الحركة الوطنية الفلسطينية وبث الروح الثورية في قلوب الجماهير في التوعية والدعوة إلى الوحدة والتصدي لمخاطر الانتداب، وما زاد تخوف الانتداب من الصحافة الفلسطينية أنها أصبحت تقود الرأي العام بعد أن أعلنت موقفها من الحركة الصهيونية وفضح أهدافها، فعلى سبيل المثال استطاع نجيب نصار إعادة إصدار جريدة الكرمل سنة 1920، مؤكداً أنه سيواصل مهاجمة وفضح السياسة الاستعمارية البريطانية في تطبيق وعد بلفور، والتنديد بالهجرة الصهيونية إلى فلسطين، وأعاد خليل بيدس إصدار "النفائس" عام 1919 كمنبر للأدباء والمثقفين، كما ظهرت مجموعة من الصحف والمجلات المغمورة التي لم يدُم صدورها طويلاً، حينذاك أدركت حكومة الانتداب أن الصحف السياسية كانت ذات فعالية في التعبير عن الرغبة في الاستقلال، وذات قدرة عالية على التأثير، وفضح سياسة حكومة الانتداب البريطاني والتحذير من مغبة استعمار البلاد وتسليمها للعصابات الصهيونية لاحقاً.

وكانت الصحافة الفلسطينية مرجعاً معتبراً لنشر المنطلقات السياسية والتوجيهات للثورة، والدعوة إلى الوحدة ورصّ الصفّ الفلسطيني، ولعبت دوراً رئيسياً في ثورة البراق عام 1929، والثورة الكبرى عام 1936، حيث نشرت الصحافة بلاغات هامة في ظل اشتعال الثورات المتعاقبة، واستمرت بحمل رسالة التوعية تجاه مخاطر العصابات الصهيونية من جهة وفضح مخاطر أطماع الانتداب البريطاني من جهة أخرى.

ومع قرب نهاية الانتداب البريطاني وتزامُن ذلك مع بداية الحرب العالمية الثانية؛ بدأت الصحافة الفلسطينية بالتطور التدريجي والتصاعدي بسبب الحراك الوطني والسياسي والاقتصادي والتجاري والزراعي في فلسطين.

كما شهد الجانب الثقافي تطوراً هاماً، وفي15 أيار(مايو) 1944. حيث قام اتحاد نقابات وجمعيات العمال العرب بإصدار صحيفة "الاتحاد الأسبوعية" ذات التوجّه الثوري.

وفشل الانتداب البريطاني في التأثير على مجريات الأحداث في فلسطين، وأصدر نظام الطوارئ عام 1945 من أجل خلق تشريعات وأوامر صارمة تجاه الصحافة في محاولة منه لمنع تهيئة الأجواء ومنع رسم معالم الاستقلال الوطني الفلسطيني.

وبدأت الأوضاع تتفاقم في فلسطين مع قرب انسحاب قوات الانتداب البريطاني وبداية حرب 1948، وكان للصحافة دور رئيسي في تأجيج المشاعر، والعمل بكل قوة لتوفير أرضية خصبة للجيوش العربية "للاستمرار في الحرب" إلا أن خيانات بعض الدول العربية والتآمر على ثورة الشعب حدّ من عملية التحرير لتأخذ العصابات الصهيونية زمام المبادرة وتطلق شذاذ الآفاق ارتكاب المجازر في بعض القرى الفلسطينية لتهجير واقتلاع أصحاب الأرض الحقيقيين.

ومن أبرز وأهم رواد الفكر الثقافي في فترة الانتداب البريطاني الشييخ عبد الله القلقيلي، الشيخ محمد الصلح، القس خليل أسعد غبرائيل،  بندلي حنا الغرابي، بولس سمعاني، بولس شحادة، توفيق حانا، توفيق كنعان، جمال الحسيني،  سلمان التاجي الفاروقي، أكرم زعيتر، حسن الدجاني، عبد اللطيف الحسيني، عبد الله الريماوي، عبد الله النعواس، محمد حسن البديري، محمد حسن سويد، محمد حسن علاء الدين، محمد حلمي، محمد سعيد اشكنتنا، محمد عبد الله المسلمي، عجاج نويهض، عزت الأعظمي، عزت الجبالي، عزيز شحادة ،إبراهيم الشنطي، إبراهيم النجار، إبراهيم كريم، أحمد خليل العقاد، أديب خوري .

والجدير ذكره أن عدد الصحف الفلسطينية الصادرة في الفترة بين 1945-1948 بلغ 68 صحيفة منها تسع صحف سياسية، أهمها: صحيفة "الشعب" وصحيفة " فلسطين"، وقد تعطلت جميع الصحف العربية في فلسطين أثناء الحرب العالمية الثانية باستثناء الصحف اليومية: صحيفة "فلسطين"، صحيفة "الدفاع"، وصحيفة "الصراط المستقيم".

وصدر في فلسطين بين عامي 1919 و1948 العديد من الصحف والمجلات باللغة العربية وخمس صحف باللغات الأجنبية المختلفة، تنوعت الصحف بين سياسية وأدبية واقتصادية ودينية ومتعددة الموضوعات الفكرية وتميزت بعض الصحف بالفُكاهية والقصصية والرسومات الكاريكاتيرية.

وفي نهايات الانتداب البريطاني لفلسطين، كان من اللافت التطور في صدور الصحف في شتى المجالات وخاصة المجال السياسي، ويعود ذلك إلى بروز تيار المثقفين الثوريين ورواد الفكر الثقافي العربي المعاصر، بالإضافة إلى النمو الاقتصادي وبروز ظاهرة التغيير والتطوير للمجتمع الفلسطيني حيث أصبحت الصحافة السياسية هي الصحيفة المفضلة والحائزة على اهتمام القارئ الفلسطيني.

ختاماً كانت الصحافة الفلسطينية حاضرة ورائدة في جميع المجالات، وهذا يدل على أن العقل الفلسطيني حاضر في جميع الميادين، فأنتج هذا العقل صحافة فلسطينيةً كانت شاهداً حقيقياً للفكر والإبداع الفلسطيني وهي أقدم من عصابات الكيان الغاصب، بل وأقدم من عصبة الأمم نفسها.



السابق

فلسطيني ينال المركز الثالث في بطولة كأس آسيا للترياثلون في الأردن

التالي

مؤسسة العودة الفلسطينية: يوم التراث الفلسطيني مناسبة للتأكيد على أن التراث أداة من أدوات المقاومة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة "Gaza Writes Back"

  !israel is a piece of shit and they know ittwitter.com/ThisIsGaZa/status/595385208385449985/photo/1 




تغريدة "عاصم النبيه- غزة"

 عندك القسام وبتأيد داعش؟ روح استغفر ربك يا زلمة.. #غزةtwitter.com/AsemAlnabeh/status/595507704338186240
 




تغريدة "أحمد بن راشد بن سعيد"

القاهرة تنتفض ضد قرار تقسيم #فلسطين عام 1947.كان زمان!لكن تظل #فلسطين_قضيتناtwitter.com/LoveLiberty/status/594548013504307200/photo/1




تغريدة "Joe Catron"

 Take a moment to thank "@MsLaurynHill" for cancelling her concert in occupied Palestinetwitter.com/jncatron/status/595337215695192064/photo/1




تغريدة "Dr. Ramy Abdu"

 المغنية الأمريكية المشهورة لورين هيل تلغي حفلها الفني في "إسرائيل" بعد حملة واسعة لنشطاء حركة المقاطعة.twitter.com/RamAbdu/status/595530542910742528




تغريدة "النائب جمال الخضري"

في #غزة يقهرون الإعاقة ويلعبون الكرة الطائرة أطرافهم بترت اثناء الحرب على غزة لا يأس ولكن عزيمة وصمود لهم التحية.twitter.com/jamalkhoudary/status/595520655858147328





 

حسام شاكر

الإبداع في ذروته .. رفعت العرعير مثالاً

أيُّ إبداعٍ يُضاهي أن تُنسَج القصيدة المعبِّرةُ من نزفِ شاعرها أو أن تصير الكلمات المنقوشة بالتضحيات العزيزة محفوظاتٍ مُعولَمة في … تتمة »


    ابراهيم العلي

    في ظلال يوم الأرض الفلسطينون : متجذرون ولانقبل التفريط

    ابراهيم العلي

     يعد انتزاع الاراضي من أصحابها الأصليين الفلسطينيين والإستيلاء عليها أحد أهم مرتكزات المشروع الصهيوني الاحلالي ، فالأيدلوجية الصهي… تتمة »


    لاعب خط الوسط الأردني محمود مرضي يرفع قمصيه كاتباً "هي قضية الشرفاء" ، بعد تسجيل هدف لمنتخبه ضد ماليزيا.
    لاعب خط الوسط الأردني محمود مرضي يرفع قمصيه كاتباً "هي قضية الشرفاء" ، بعد تسجيل هدف لمنتخبه ضد ماليزيا.