متحف الهولوكوست في إلينوي: أنسنة الصهيونية وتعتيم على اغتصاب فلسطين

منذ 8 سنوات   شارك:

قد لا يتبادر لذهن من يمشي تحت مطر الخريف الغزير في إلينوي بأن كثرا هم من سيتجاهلون الظرف الجوي ويأتون لزيارة متحف الهولوكوست في منطقة سكوكي، من شرائح عمرية واجتماعية متباينة بشكل ظاهر.

يلج الزائر المتحف، الذي تأسس في العام 2009، من بين واجهة تضم أسماء عشرات الضحايا الذين قضوا في المحارق النازية، لتأتي عقب هذا الإجراءات الأمنية بالغة التشديد، إلى حد قد يشعر حياله أنه بصدد دخول هيئة دبلوماسية أكثر من كونه يدخل متحفا.

يلحظ زائر المكان، الذي تمخض عن جهد بذله الناجون من المحرقة منذ العام 1970 حين طرأ على المشهد "نازيون جدد" أعادوا نداءات الكراهية في سكوكي، دائرة تاريخية منتظمة يمشي من خلالها بين مرافق المتحف؛ إذ التسلسل تاريخي بامتياز، بدءا من الدعاية الأوروبية التي تصب وابل غضبها على اليهود في ذلك الحين، مرورا بمقاطعتهم اقتصاديا وحرق كتبهم، وليس انتهاء بالمحرقة وتفاصيلها ومن ثم تأسيس كيان الاحتلال.

يكثف القائمون على المتحف، والذين بذلوا جهدا مستميتا في إقرار منهاج الهولوكوست التعليمي في المدارس الحكومية منذ العام 2005 لتكون شيكاغو الولاية الأولى في ذلك، الروايات العاطفية للمأساة، مستخدمين الوسائل شتى، الفنية والتكنولوجية؛ إذ هنالك الصور الفوتوغرافية وعرض المتعلقات الشخصية للضحايا ومقاطع الفيديو والأوديو التي تروي فصولا من ذلك الزمن على لسان الناجين، إلى جانب المجسمات الفنية واللوحات والخرائط والرسوم البيانية والقطع الأدبية التي خلدت المأساة التي اقترفها النظام النازي في الفترة التي راوحت بين الأعوام 1941 و1945، ليس حيال اليهود فحسب، بل والغجر واصحاب الاعاقة والمثليين والشيوعيين، الذين كان يُشار إليهم جميعا بمن يعيقون تقدم الجنس البشري، مقارنة بالعرق الآري الرائد بشريا، بحسب زعمهم.

جهد مدهش مبذول في المتحف، الذي يوجد ما يماثله في مدن عالمية عدة، من خلال تكثيف فصول الحكاية والحرص على توفير التفاصيل جميعها بما فيها عربات نقل الضحايا لغرف الغاز، التي أُحضِرت واحدة منها لمعاينتها على أرض الواقع مع متعلقات شخصية للضحايا تصل حتى بعض ملابسهم الداخلية.

لمن يعرف الوجع الفلسطيني المزمن، فإن الرواية منقوصة بشكل سافر؛ إذ قد تنطلي على من يسمعون الحكايات اليهودية المنمقة التي اعتراها تهويل كثير؛ إذ يزعمون أن 80 % من مجموع اليهود قد قضي عليه آنذاك، بتعداد ضحايا يفوق 6 ملايين يهودي، مع غياب شبه كامل للمصادر التاريخية التي تم الاستناد إليها، ومع غياب مُطلَق للرواية المكمّلة وهي احتلال فلسطين وتهجير شعبها واقتراف المجازر بحق ساكنيها منذ ما يزيد على 69 عاما، مع إيقاع صنوف عذاب بهم تفوق ما اقترفه النازيون بأضعاف.

لم تظهر فلسطين اسما في المتحف إلا مرة واحدة، عبر قول أنها كانت منتدبة من قِبل البريطانيين وجُعِلت وطنا للإسرائيليين، وأن هذا الحدث، أي تأسيس الكيان، هو الثاني في الأهمية يهوديا بعد المحرقة. ما عدا ذلك، غابت أي حقائق أو معلومات عن مرحلة ما بعد تأسيس الكيان، بل ذكر شهود على المحرقة، سُجّلت شهاداتهم الصوتية والمرئية، أن عصابات الهاغانا كانت تساعد على التأسيس وأنها أدّت دور معاوِنا.

أمام ذلك كله، تبدو فكرة متحف الهولوكوست الفلسطيني "الأمل والألم"، التي كانت مزمعة في العام 2008 وأرجئ تنفيذها لأجل غير مسمى، تبدو خافتة حد الذبول، على الرغم من كل ما يحفل به الواقع الفلسطيني من مآس تفوق فصول المحرقة.

التمويل يكاد يكون معدوما لأنشطة رواية الحكاية الفلسطينية للعالم، وإن وُجِد شيء كهذا فإنما يكون موجهاً للدول العربية بما يشبه المونولوج (الحوار الداخلي) الذي يردّده الضحية بينه وبين نفسه، بدلا من توجيهه لمن لا يعرفون الحكاية في أصقاع العالم.

يودع المتحف زائره بعبارة "لم أقل هذا لأضعفك بل لأقويك. والآن الأمر متروك لك"، ما يشي بالفلسفة الصهيونية التي لا تنفك تجعل من المحرقة قميص عثمان؛ لاستدرار عطف العالم وشرعنة ما تقترفه من جرائم حيال الفلسطينيين، لكن السؤال الأبرز هو: ما الذي يتعين على الفلسطيني فعله أمام رواية عدو على هذا المستوى من القوة والبراعة؟ 

 

رشا سلامة- الغد



السابق

4 سنوات لـ«جذور» في معرض بيروت الدولي للكتاب

التالي

16 لاعبة فلسطينية تشارك بالألعاب الأولمبية الخاصة في أبوظبي


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

فايز خليفة جمعة (أبو مديرس): رمز البطولة والشجاعة في عملية انتزاع الحرية من سجن شطّة 1956!

في أروقة الأسر والسجون، حيث يلتقي الألم بالعزيمة، يعيش الإنسان بين جدران باردة لا تعرف الرحمة، ومعاناة لا تنتهي.  هناك، خلف قضب… تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير