المحررون خلف الأبواب المغلقة: خذلانٌ عربيّ يلاحق الأسرى بعد الحرية!
محمود كلّم
كاتب فلسطينيخرجوا من الزنازين بعد أعوامٍ من العتمة، يحملون وجوهاً أنهكها الانتظار وقلوباً أرهقها الحلم بالحرية.
كانوا يظنون أن الشمس ستستقبلهم بالدفء، وأن العروبة ستفتح لهم ذراعيها،
لكنهم وجدوا أنفسهم على أبواب فندق في القاهرة، تحت رقابةٍ لا تقل قسوةً عن قضبان السجن.
في عيونهم سؤالٌ واحد لا يُجاب:
أهذه هي الأمة التي حلموا بها؟
أهذه هي الأرض التي سالت دماؤهم من أجلها؟
كيف صار الأحرار غرباء، والعروبة تُغلق أبوابها في وجوه من دافعوا عن كرامتها؟
قالوا لهم: «لا دولة عربية تريد استقبالكم.»
وكأنهم وباءٌ، لا رجالٌ نذروا زهرة أعمارهم خلف الجدران من أجل شرف الأمة.
يا للهوان... يا للعار...
كيف تضيق الأرض العربية بأبنائها، وتتسع لمن باعها بثمنٍ بخس؟
في القاهرة يقيمون كأنهم في منفى جديد، ينتظرون مصيراً لا يعرفونه، بين خوفٍ من المجهول ومرارة الخذلان.
كل ليلٍ يمرّ عليهم كأنه تحقيق جديد،
وكل صباحٍ يحمل وجع السؤال ذاته:
من نحن بعد أن خانتنا العروبة؟
إنها لحظةُ عارٍ لا تُغسل بسهولة، عارٌ يُكتب على جبين أمةٍ نامت ونسيت من قدّموا أرواحهم كي تبقى.
ربما لم يخسر هؤلاء الرجال حريتهم فقط،
بل خسروا إيمانهم بأن العروبة ما زالت حيّة.
ربما لم يسلبهم السجّان أعمارهم فقط، بل سرق منهم يقينهم بأن للأمة قلباً ينبض.
خرجوا أحياءً من الزنازين، لكنهم ماتوا في صمت العروبة.
تلك هي المأساة الكبرى: أن تُمنح الحرية وتُسلب الكرامة.
محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.



أضف تعليق
قواعد المشاركة