غزة بين خذلان الإخوة وشهامة غوستافو بيترو!

منذ يوم   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

قال موليير: "الرجال كلهم يتشابهون في الأقوال، فلا نميّز بعضهم من بعض إلاّ بالأفعال."
وقال تشي جيفارا: "يمكنك معرفة ما إذا كان الإنسان حياً أم ميتاً، لا من نبضه، بل من موقفه الشريف."

ولو عاش كلاهما اليوم، لرأيا كيف امتلأت الدنيا بالخطابات الرنانة، والتصريحات المتكررة، والوعود التي لا تسندها الأفعال. لكن غزة وحدها، بجراحها النازفة، تشهد على من بقي حيّ الضمير، ومن ماتت إنسانيته.

غزة اليوم ليست مجرد جغرافيا محاصرة، إنها مرآة الإنسانية المكسورة.
في شوارعها التي غمرها الغبار والركام، تختلط دموع الأمهات بصراخ الأطفال، وتتعالى صرخات الاستغاثة فلا تجد إلا صمتاً عربياً طويلاً، وسكوتاً إسلامياً مريباً، وعالماً يكتفي بعدّ الشهداء كما لو كانوا أرقاماً عابرة في نشرات الأخبار.

كم مرة انتظرت غزة نصرة العرب، فلم تجد سوى بيانات تنديد تُلقى على موائد القمم ثم تُطوى مع المحاضر؟
وكم مرة رفعت عيونها إلى "أمة المليار"، فلم ترَ إلاّ شعوباً حزينة لا تملك إلا الدعاء، وحكومات غارقة في مصالحها الضيقة وحساباتها الباردة؟

لقد تحولت غزة إلى امتحان مفتوح، سقط فيه كثيرون ممن كانوا يرفعون الشعارات. فالدم الفلسطيني سال، ولم يجف، لكن النخوة جفّت قبل أن تجف دموع الأطفال.
إنه خذلان مضاعف، خذلان من الأخوة قبل العدو، خذلان من الجار قبل الغريب.

ورغم ذلك، تقف غزة شامخة، لا تسقط.
تُدفن تحت الركام، لكنها تُولد من جديد.
تُحاصر في البر والبحر والجو، لكنها تفتح للحرية ألف نافذة في قلوب الأحرار.

غزة اليوم ليست بحاجة إلى دموع الشاشات ولا بيانات المجاملات، بل إلى أفعال، إلى مواقف شريفة قال عنها جيفارا: إنّها هي التي تُثبت إن كان الإنسان حياً أم ميتاً.

أما العرب والمسلمون، فقد كتبوا تاريخهم بأيديهم: إمّا أن ينهضوا مع غزة، أو يظلوا شهود زور على أكبر جرح في قلب هذه الأمة.

غزة لا تبكي على نفسها، بل تبكي على صمتنا جميعاً.
غزة لا تسأل لماذا يقتلها العدو، فهي تعرفه جيداً، لكنها تسأل: أين كنتم أنتم؟

ومع هذا الخراب الإنساني، يسطع نور نادر من بعيد، حيث يقف الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو شامخاً، لا كزعماء العرب، بل كفارسٍ يكتب موقفه بدماء الشرفاء. لقد أثبت بشهامته وشجاعته ونخوته أنّ البطولة لا تُقاس بالقوة العسكرية، بل بالجرأة على قول الحقيقة في وجه العالم، وأن البعيد قد يقترب بالضمير أكثر من القريب الذي خانه صمته.

*محمود كلّم، كاتبٌ وباحثٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.

مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

غزة بين خذلان الإخوة وشهامة غوستافو بيترو!

قال موليير: "الرجال كلهم يتشابهون في الأقوال، فلا نميّز بعضهم من بعض إلاّ بالأفعال." وقال تشي جيفارا: "يمكنك معرفة ما إذا كان الإ… تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير