عشيرة عرب السّمنيّة.. حين صنع نايف الحسن صوت البطولة!
محمود كلّم
كاتب فلسطينيفي صفحات التاريخ التي تروي قصص العزّة والصمود، تبرز عشيرة عرب السّمنيّة في قضاء عكا رمزاً للكرامة والفخر. جدّهم خطّاب، الذي وُوري الثرى في علما الشعب بأقصى جنوب لبنان، ويُذكر في بعض الروايات أنّه دُفن في منطقة البطيشية على الحدود اللبنانية الجنوبية، يمثّل جذوراً متأصّلة في الأرض لا تعرف الخضوع. أمّا مختارهم الشجاع، نايف الحسن، فقد اغتيل على يد الصهاينة عام 1948م في بلدة مروحين، ودُفن هناك، تاركاً وراءه إرثاً من البطولة والمقاومة.
ذكر الدكتور شكري عرّاف في كتابه "بدو مرج ابن عامر والجليلين بين الماضي والحاضر"، الصادر عن مركز الدراسات القروية في معليا – فلسطين المحتلّة، أيار 2001، صفحة 174، ما يلي:
«وفي مقابلة مع إلياهو، رجل الأمن من أيام الانتداب، في كيبوتس إيلون، وبعد أن أطلعني على دفاتره/ مذكّراته التي تشمل صورة وتاريخ كل بدوي من عرب السّمنيّة، قال إنّ اليهود اجتمعوا مع القبائل البدوية المجاورة: عرب السّمنيّة، الهيب المرادات، وعرب العرامشة وغيرهم، في موقع الصوانة بهدف حثّ هؤلاء البدو على حسن الجوار خلال المعارك التي قد تنشب في عام 1947 وما بعده، وكان ردّ نايف الحسن تهديداً لهم مع انتهاء الانتداب البريطاني وأنّهم سيلقونَ من البدو مصيراً أسود. وكان هذا الردّ كافياً لاتخاذ قرار بترحيل عرب السّمنيّة».
لم يكن ذلك الردّ مجرّد كلمات، بل موقفاً بطولياً يروي فخر شعب رفض الخنوع والمذلّة، موقفاً أثبت أن الكرامة لا تُقايض، وأن الكبرياء لا يقبل بالخضوع.
كان هذا الموقف كافياً لاتخاذ قرار بترحيل عشيرة عرب السّمنيّة، محاولةً لإسكات صوتهم، لكن إرثهم ظلّ صامداً في الذاكرة. فكلّ خطوة من خطواتهم كانت شهادة على البطولة، وكلّ موقف مقاوم كان إعلاناً عن شجاعة لا تهتزّ أمام المحتلّ الغاصب.
اليوم، تظلّ عشيرة عرب السّمنيّة رمزاً للكرامة والفخر، للأرض التي تحمي أهلها، وللرجال والنساء الذين رفضوا الخنوع، وأعلَوا صوت البطولة على صوت الظلم. إنّ قصة نايف الحسن وأبناء عشيرته تذكّرنا بأنّ الكبرياء الحقيقي يكمن في الوقوف بشجاعة، وأنّ البطولة الحقيقية هي الدفاع عن الهوية والأرض مهما كان الثمن.
وهكذا، تبقى سيرة عشيرة عرب السّمنيّة وملحمة المختار نايف الحسن شاهدتين على أنّ البطولة ليست مجرّد موقف عابر، بل إرث تتوارثه الأجيال ونداءً خالداً بأنّ الكرامة لا تُشترى ولا تُباع.
وفي ذكراهم يتجدّد الإيمان بأنّ الأرض لا تحيا إلا بأهلها، وأنّ البطولة تبقى ما دام هناك من يحفظها في الذاكرة والوجدان. فتظلّ عشيرة عرب السّمنيّة رمزاً للكرامة والصمود، وصوتاً خالداً في سفر التاريخ.
[محمود كلّم] كاتبٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنَين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.
أضف تعليق
قواعد المشاركة