فايز خليفة جمعة (أبو مديرس): رمز البطولة والشجاعة في عملية انتزاع الحرية من سجن شطّة 1956!

منذ 4 أيام   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

في أروقة الأسر والسجون، حيث يلتقي الألم بالعزيمة، يعيش الإنسان بين جدران باردة لا تعرف الرحمة، ومعاناة لا تنتهي.

 هناك، خلف قضبان سجن شطّة في خمسينيات القرن الماضي، عاش سبعة أسرى فلسطينيين أياماً قاسية محفوفة بالخطر، يواجهون الحرمان والاعتداءات بصمت يختلط فيه الألم بالأمل. وبينهم برز اسم فايز خليفة جمعة (أبو مديرس)، الذي تحوّلت حياته إلى قصة من الصبر والتحدّي، ورمز للشجاعة التي تُختبر في أصعب اللحظات، حين يصبح الثمن الحقيقي للحرية كل ما نملك من قلب وإرادة.

 

في أواخر عام 1956، شهدت فلسطين المحتلة واحدة من أجرأ محطات النضال ضدّ الاحتلال، حين أقدم سبعة أسرى فلسطينيين على مواجهة سجّانيهم في سجن شطّة الواقع في شمال الأغوار، ضمن عملية انتزاع الحرية التي أصبحت لاحقاً رمزاً للشجاعة والإصرار.

 

كان سجن شطّة في خمسينيات القرن الماضي أحد أبرز السجون التي أقامها الاحتلال في المناطق الشمالية من فلسطين، وكان يضمّ أسرى سياسيين فلسطينيين، ويُطبَّق فيه نظامٌ قاسٍ يهدف إلى كسر إرادتهم. فالحبس الانفرادي، ونقص الغذاء، والاعتداءات الجسدية كانت جزءاً من الحياة اليومية للأسرى. ومع ذلك، لم تهتز عزائمهم، بل صقلت الظروف قلوبهم لتصبح أكثر قوة وصلابة.

 

تفاصيل العملية البطولية:

 

خاض سبعة أبطال مواجهة مباشرة مع سجّانيهم، وأظهروا عنفواناً غير مسبوق. وتمكّنوا من انتزاع سلاح أحد الجنود، فاندلعت مواجهة انتهت بمقتل 11 جندياً من قوات الاحتلال. ولم يكتفِ الأبطال بذلك، بل استولوا على بعض الأسلحة الرشاشة، وتوجّهوا نحو الأراضي الأردنية، كاسرين القيود وجدران السجن، وموصلين رسالة واضحة: الحرية تُنتزع بالإرادة والجرأة.

 

وفي قلب هذه الملحمة يبرز اسم فايز خليفة جمعة (أبو مديرس)، ابن السابعة والعشرين، المنتمي إلى عشيرة عرب السّمنيّة في قضاء عكا شمال فلسطين.

 

كان فايز خليفة جمعة (أبو مديرس) نموذجاً للشجاعة والرجولة، قائداً لا يعرف الخوف، مؤمناً بأن الحرية تستحق كل مخاطرة وكل تضحية.

 

بعد نجاح عملية الهروب من السجن، استقرّ فايز خليفة جمعة (أبو مديرس) في الأردن مدة أربعة أشهر، ثم انتقل إلى سوريا، قبل أن يستقرّ في جنوب لبنان، في مخيمات مدينة صور، حيث عاش في تجمع الشبريحا شمال المدينة أسوأ أيام حياته. هناك فقد زوجته ثنيّة غَنّام، ثم خسر ابنه الوحيد مديرس خلال حرب المخيمات (6-12-1986)، وعاش حياة صعبة وقاسية، ظلّ وحيداً في مواجهة الواقع المؤلم حتى وافته المنية.

لم تكن عملية سجن شطّة مجرد محاولة فرار، بل كانت ملحمة بطولية عكست إرادة الفلسطينيين في تحدّي الاحتلال وكسر القيود.

جسّدت هذه المحاولة الصبر والقوة والعنفوان والرجولة، وأكدت أن الاعتقال لم يكن نهاية الطريق، بل بداية لمعركة جديدة ضدّ الاحتلال. واليوم، يظلّ اسم فايز خليفة جمعة ورفاقه رمزاً للبطولة، ونموذجاً للشجاعة التي صنعت تاريخ النضال الفلسطيني.

 

خلال إعداد كتابي عشائر قضاء عكا، الذي صدر عن دار بيسان في بيروت عام 2016، كان فايز خليفة جمعة (أبو مديرس) من أهم الأشخاص الذين ساعدوني للتعرف على طبيعة قضاء عكا الجغرافية. لا أبالغ إذا قلت إنه كان يعرفها بكل تفاصيلها كما يعرف اسمه، فقد قضى أياماً طويلة يعيش في وديانها وبين أشجارها، هارباً من مطاردة قوات الاحتلال البريطاني ومن مطاردة قوات الاحتلال الصهيوني، فكانت معرفته للأرض معرفة حياتية عميقة لا يملكها سوى من عاشها.

ورغم كل ما قدّمه من تضحيات، بقي وحيداً بعدما خذلته الثورة الفلسطينية التي قاتل معها، ليقضي أيامه الأخيرة في عزلة وحزن عميق، شاهداً على قسوة الواقع بعد عمرٍ من النضال.

 

[محمود كلّم] كاتبٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنَين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.

 

المصادر:

 

فايز خليفة جمعة (أبو مديرس). مقابلة شخصية، الشبريحا – جنوب لبنان، 2001.

 

فايز خليفة جمعة (أبو مديرس). مقابلة، 18 آذار/مارس 2004. مجموعة النكبة. محفوظات الجامعة الأميركية في بيروت.

 

 

مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

فايز خليفة جمعة (أبو مديرس): رمز البطولة والشجاعة في عملية انتزاع الحرية من سجن شطّة 1956!

في أروقة الأسر والسجون، حيث يلتقي الألم بالعزيمة، يعيش الإنسان بين جدران باردة لا تعرف الرحمة، ومعاناة لا تنتهي.  هناك، خلف قضب… تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير