غزة… جنازة الكرامة العربية والإسلامية!

منذ 6 أيام   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

غزة مرآة أمةٍ امتلأت مساجدها ومآذنها، لكنها فرّغت قلوبها من النخوة، واكتفت بالحياد البارد والدعاء الكسول، وتركت دماء أطفال غزة شاهداً على خيانة جماعية لا تُمحى.

 

غزة لم تكن مجرد حرب؛ كانت مرآةً. مرآة صافية إلى حد الوقاحة، انعكست عليها وجوه العرب والمسلمين بلا مساحيق تجميل، فظهروا عراة، باردين، يتقنون فن الهروب أكثر من فن النصرة.

 

من قال إن الردّة تحتاج إعلاناً؟ لم نسمع أحداً يصرّح: "كفرت بالقضية"، لكننا رأينا الملايين يختبئون خلف شعارات "الحياد"، ويستمتعون باستسلام "لا حول ولا قوة إلا بالله" و"حسبي الله ونعم الوكيل"، كأنها رخصة للنوم لا دعوة للفعل.

 

العرب الذين كانوا يوماً يتفاخرون بـ"النجدة"، صاروا اليوم خبراء في فنون الاعتذار:

 

اعتذار للدول الكبرى عن أي انفعال زائد.

 

اعتذار لوسائل الإعلام عن أي كلمة "جارحة".

 

اعتذار حتى للجلاد كي لا يزعل.

 

والمسلمون الذين كان يُفترض أن يذوبوا وجعاً لأجل مظلوم، ذابوا بدلاً من ذلك في جداول المباريات، ومواسم "الترفيه"، وحفلات "اللامبالاة". غزة تحت القصف، والعرب والمسلمون تحت "الستوري"، يصفّون صور العشاء لينشروها على "إنستغرام" بكل فخر.

 

أي إخوة هذه التي تحتاج تأشيرة وتصريحاً وختماً أمنياً قبل أن تتحرك؟ أي غيرة هذه التي تنطفئ عند حدود المعبر؟

 

إنها ليست هزيمة عسكرية، بل سقوط أخلاقي جماعي. سقوط صامت. كأن العرب والمسلمين صاروا متواطئين بالصمت، يغطون عجزهم بأحاديث مطوَّلة عن "الحكمة" و"التوازن". يا لها من أسماء رقيقة للجبن!

 

غزة لم تفضح الاحتلال بقدر ما فضحت العرب والمسلمين. فالاحتلال عدو معلوم، لم يغيّر أقنعتَه. أما العرب والمسلمون فصاروا أعداء أنفسهم: يكذبون على دم الشهداء ببيانات مكررة، يدفنون صرخات الأطفال تحت ركام نشرات الأخبار، ويستوردون من الغرب مفردات جديدة لتجميل الخيبة: "حل الدولتين"، "المسار السلمي"، "التطبيع كخيار استراتيجي".

 

كأن العرب والمسلمين يقولون لغزة: اصمدي وحدك، فلدينا أولويات أهم… مباريات الدوري، وأسعار النفط، وأعياد الميلاد الرسمية.

 

يا له من زمن بائس. زمن صار فيه الجلاد أكثر صدقاً من الضحية الصامتة. زمن يكفي فيه أن يكتب العربي أو المسلم منشوراً متعاطفاً ليشعر أنه "مقاوم".

 

غزة لا تحتاج دموع العرب والمسلمين، بل تحتقرها. غزة لا تنتظر قصائدهم، فقد شبعت منها. غزة فقط كشفتهم، مزقت آخر أوراق التوت، وتركتهم أمام أنفسهم: أمة كبيرة، غنية، مليئة بالمساجد والمآذن… لكنها مفلسة من النخوة والشرف والشهامة والكرامة.

 

[محمود كلّم] كاتبٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنَين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.


مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

فايز خليفة جمعة (أبو مديرس): رمز البطولة والشجاعة في عملية انتزاع الحرية من سجن شطّة 1956!

في أروقة الأسر والسجون، حيث يلتقي الألم بالعزيمة، يعيش الإنسان بين جدران باردة لا تعرف الرحمة، ومعاناة لا تنتهي.  هناك، خلف قضب… تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير