غزة… الامتحان الذي أسقط العالم بالضربة القاضية!

منذ أسبوع   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

حيث الجوع يكشف زيف الشعارات، والصمت يفضح إنسانيتنا المكسورة.

يبدو أنّ أوروبا فقدت ثقلها الاقتصادي والسياسي، ولم يعد لها سوى صوتٍ مرتجف في قاعات المؤتمرات؛ صوت يعلو حين يتعلّق الأمر بالمصالح، ويخفت حتى الانعدام حين يكون الحديث عن حياة البشر في غزة. لقد دان العالم هجوم السابع من أكتوبر بالإجماع، لكنه فجأة أصيب بارتباك في تعريف الضحية والجاني عندما وصل الأمر إلى مليوني إنسان محاصرين تحت القصف والجوع.

 

في غزة اليوم، أُعلِنت المجاعة رسمياً، لا في بيانات سرّية أو تقارير مسرّبة، بل على الملأ. ورغم ذلك، ينشغل الساسة الأوروبيون بتبديل ربطات أعناقهم قبل خطاباتهم الفارغة، وكأنّ صور الأطفال الذين يتصارعون على كسرة خبز لا تصل إلى شاشاتهم فائقة الوضوح.

 

أمّا نحن، في العالم العربي والإسلامي، فمشغولون ببطولاتٍ من نوعٍ آخر: بيانات شجب مطعّمة بالبلاغة، قمم طارئة تنتهي قبل أن تبدأ، ومبادرات "إغاثة" تتأخر حتى يصبح الموت أسرع من الدواء. نتقن فنّ الانتظار، ونتخصّص في تأجيل الغضب.

 

وأما العالم الذي ملأ الدنيا ضجيجاً عن حقوق الإنسان والكرامة، فقد قرّر فجأة أنّ غزة استثناء في قاموس الأخلاق. ربما حقوق الإنسان صالحة فقط حيث تتوافر الكهرباء والإنترنت عالي السرعة، أما حيث يُدفن الأطفال تحت الركام، فالقاموس يُغلق والصفحات تتمزق.

 

غزة اليوم ليست مجرد مدينة محاصرة، بل اختبار أخلاقي للجميع: اختبار سقط فيه الأوروبيون الذين علّمونا يوماً معنى الحرية، وسقط فيه العرب الذين طالما تغنّوا بالأخوّة، وسقط فيه المسلمون الذين يتلون آيات الرحمة كل يوم، وسقط فيه "المجتمع الدولي" الذي أثبت أنه مجرد شعار بلا روح.

 

ومع ذلك، ترفض غزة أن تختفي. فهي تذكّرنا ـ بدمها وجوعها ـ أنّ الإنسانية ليست في المؤتمرات ولا في نشرات الأخبار، بل في قدرتنا على الوقوف مع الضعيف حين يُذبح على مرأى العالم.

 

وربما يكون السؤال الآن: هل نسينا جميعاً أنّ غزة هي آخر ما تبقّى لنا من معنى للإنسانية؟ أم أنّنا نتظاهر بالنسيان كي لا نشعر بالخجل من أنفسنا؟

 

[محمود كلّم] كاتبٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنَين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.


مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

فايز خليفة جمعة (أبو مديرس): رمز البطولة والشجاعة في عملية انتزاع الحرية من سجن شطّة 1956!

في أروقة الأسر والسجون، حيث يلتقي الألم بالعزيمة، يعيش الإنسان بين جدران باردة لا تعرف الرحمة، ومعاناة لا تنتهي.  هناك، خلف قضب… تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير