غزة تنزف... وأمة تنام!
محمود كلّم
كاتب فلسطينيفي زمن غابت فيه العدالة، وتركت الأمة أبطالها وحيدين، تواصل غزة نزف جراحها بلا رحمة، بينما تبقى الأمة نائمة في صمتها، تراقب الدماء تسيل دون أن تحرك ساكناً.
تمر بنا الأيام والسنون، ويحمل كل يوم في طياته وجعاً عميقاً يفتك بالقلوب، كأن الزمن قد توقف عن الرحمة، وكأن الدنيا فقدت بريقها الذي عهدناه في ماضينا المشع. لم يشهد التاريخ الإسلامي عصراً من الهوان وزمناً من الخذلان كما هو الحال في هذا الزمن الذي نعيشه الآن. فعندما ننظر إلى حال أمتنا، نشعر بمرارة الألم ونلمس جراحها التي تنزف بلا توقف.
وفي قلب هذه المعاناة الصامتة، يقف الشعب الفلسطيني في غزة، رمز الصمود والتحدي، يحمل على عاتقه أعباء الظلم والقهر، يرزح تحت وطأة الحصار والقصف المستمر، يعيش الموت كأنه روتين يومي لا نهاية له. غزة التي تحولت إلى جرح ينزف بلا توقف، وأهلها الذين صاروا أسرى في سجن ضيق، محرومين من أبسط حقوقهم في الحياة والكرامة.
أين ذهبت أيام العزة والكرامة؟ أين تلك اللحظات التي كنا نرفع فيها راية الحق بشموخ؟ هل لم يبقَ فينا من يملك صوتاً ينطق بالعدل، أو يداً تمتد لنصرة المظلوم؟ لكن ما نراه اليوم هو صمت العالم، أبواب مغلقة في وجه الذين يطلبون فقط أن يعيشوا بسلام، أن ينعموا بحياة كريمة، أن يزرعوا أحلامهم بدلاً من أن يحصدوا رصاصاً وقنابل.
قلوبنا تنزف على أطفال غزة، على نساء ورجال صاروا يقاومون الموت في كل لحظة، في وجه آلة حرب لا تعرف الرحمة. هل هذا هو زمن الإسلام الذي علّمنا أن نكون خير أمة أخرجت للناس؟ هل هذه هي قيم الأخوة والتكافل التي نادى بها ديننا الحنيف؟ لم نعد نرى سوى الخراب والدمار، ووجوه باتت غارقة في الحزن، لا تعرف الابتسامة.
هذا الزمن ليس فقط زمن هوانٍ للأمة، بل هو زمن خذلان شامل. كيف لنا أن نقف مكتوفي الأيدي أمام معاناة إخواننا؟ كيف لنا أن نصمت أمام ظلم يمتد لأجيال؟ غزة اليوم هي مرآة الحقيقة المرة التي يجب أن تعيدنا إلى أنفسنا، إلى مبادئنا، إلى قيمنا التي طالما افتخرنا بها.
قد تعجز الكلمات عن وصف حجم الألم، وقد تكون الدموع وحدها الشاهد الأصدق على ما يجري، لكن لا يبقى أمامنا سوى رفع الصوت، إعلان التضامن، وتذكير الجميع بأن هذا الظلم لا يمكن أن يستمر. غزة ليست فقط مدينة محاصرة، بل هي قلب فلسطين النابض، ونبضها لا يمكن أن يخمد مهما حاول الأعداء.
لن ننسى ولن نسكت، فالحق في الحرية والكرامة حق مقدس لا يمكن التنازل عنه. في كل دمعة على وجوه أطفال غزة، في كل صرخة ألم، يكمن أمل الحياة، وأمل أن يأتي يوم تُرفع فيه القيود، ويُسمع صوت الحرية يعلو فوق أصوات القنابل.
لن يبقى الألم صامتاً إلى الأبد، فغزة تنزف اليوم لتذكّرنا بأن الكرامة لا تُهان، وأن حق الحياة والحرية لا يمكن أن تُغلق عليه الأبواب في وجه من ينشدها.
[محمود كلّم] كاتبٌ فلسطينيّ، يكتب في الشأنَين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.

أضف تعليق
قواعد المشاركة