غزة: حين تصمُتُ الإنسانيّةُ وتتكلمُ المجازر!

منذ شهرين   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

على بُعد ثلاث أو أربع ساعات فقط من قلب أوروبا، يُذبَح شعبٌ بأكمله أمام أعين العالم، لحظةً بلحظة. لا تحتاج أن تكون محللاً سياسياً، ولا حتى أن تفهم التاريخ المُعقَّد للمنطقة، كي تُدرك ما يحدث. كل ما تحتاجه هو قلب... قلبٌ لا يزال ينبض بالإنسانية.

 

قالها جوارديولا، مدرب مانشستر سيتي، بمرارة: "الإنسان يمتلك الإنسانية، لكن يبدو أنها تختفي عندما يتعلق الأمر بفلسطين." وكأنه وضع إصبعه على جرحٍ ينزف منذ عقود. كيف يُترك الأطفال للموت تحت الأنقاض؟ كيف تتحوّل البيوت إلى ركام، والمستشفيات إلى أهداف، والمدارس إلى قبور؟ أين العالم؟ أين صوته؟ أين نخوته؟

 

في الحربين العالميتين، كانت الجرائم تُرتكب في الخفاء، بعيداً عن أعين الكاميرات. أما اليوم، فكل شيء يُبثّ مباشرة. ترى الأم تحتضن طفلها المغطى بالغبار والدم، تسمع صراخ الأب الذي فقد عائلته، وتشاهد الجنازات تتوالى بلا توقّف. ومع ذلك… لا أحد يتحرّك.

 

غزة ليست مجرد شريطٍ ضيّق من الأرض؛ إنها شهادةُ موتٍ مكتوبةٌ بعجز العالم. شعب يُباد، لا لأنه ارتكب جريمة، بل لأنه وُلد في المكان الخطأ، وتحت الاحتلال الخطأ. يعيش تحت الحصار منذ أكثر من 17 عاماً: بلا كهرباء، بلا ماء، بلا دواء… والآن، بلا حياة.

 

ما يحدث في غزة ليس "صراعاً"، بل إبادة. ليس "دفاعاً عن النفس"، بل قتلٌ ممنهج. كل دقيقة تأخير في وقف هذه المأساة هي جريمةٌ مشتركة، يرتكبها صمت العالم، وتقاعس المؤسسات، وتواطؤ الدول.

 

لم نعد بحاجة إلى أدلّة، فالمجازر تُعرَض علينا كما تُعرض نشرات الطقس. لم نعد بحاجة إلى شهود، فكل طفلٍ نُزع من حضن أمه هو شاهد، وكل بيتٍ مُسح عن الخريطة هو شهادة، وكل قلبٍ ينكسر يومياً في غزة… هو صفعةٌ على وجه هذا العالم المتخاذل.

 

ويبقى السؤال: هل ما زالت هناك إنسانية؟

أم أنها تُستثنى… عندما يكون الدم فلسطينياً؟

 

أيُعقل أن يُباد شعبٌ عربي، ويظلّ العرب صامتين؟

أين الغضب؟ أين الكرامة؟ أين المروءة؟

غزة تنزف، والعالم يتفرّج... لكن الأصعب أن يكون أقرب الناس هم أول من خذلها.

فأيّ خزيٍ هذا الذي نعيشه؟

 

[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشأنين السياسيّ والوجدانيّ، ويُعنى بقضايا الانتماء والهُويّة الفلسطينيّة. يرى في الكلمة امتداداً للصوت الحرّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النضال.


مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

تحيّة من فلسطين إلى اليمن!

من فلسطين إلى اليمن: أنتم النخوة حين غابت، وأنتم العزَّ حين انحنى الزمان! في زمنٍ تهاوت فيه الأقنعة، وبات الصمتُ لغة المذنبين، … تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير