غزّة... لا مفرّ: نُزُوحٌ من الموتِ إِلى الموتِ!

منذ 3 أشهر   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

لا شيء أشدُّ وجعاً من أن يُسلب منك كلُّ شيء، ثم يُطلب منك الصبر.

"لا مفر"... تقولها الأمهات وهنّ يحملن أطفالهن من بين الركام، يركضن بحثاً عن ملاذ، لكن لا جهة في الأرض تسعهن. من الموت إلى الموت، نزوحٌ لا يُشبه الحياة، ولا حتى ظلّها الباهت.

 

العالم العربي صامت، يُراقب الجراح من خلف الشاشات، يكتب بيانات الإدانة بحبرٍ باهت، ويغلق الملف مع آخر نشرة أخبار. بعضهم يدعو، كثيرهم يبرّر، وقليلهم يتذكّر أن فلسطين، وسوريا، واليمن، والسودان، ليست مجرد أخبار، بل أرواحٌ تُزهق، وأحلامٌ تُدفن.

 

العالم الإسلامي، من طنجة إلى جاكرتا، يبدو كمن اعتاد الخذلان حتى بات يراه نهايةً محتومة.

لا غضب يُرجى، ولا موقف يُشهر، كأن الدم المسلم بات أرخص من أن يُثير ضجيجاً. أمةٌ كانت "خير أمة أُخرجت للناس"، صارت تتفرّج على أبنائها يُذبحون ولا تنهض.

 

أما "العالم المتحضّر"، فهو يزن الألم بمكاييل السياسة، ويمنح التعاطف على أسسٍ عنصرية. يعلن القيم، ويبيع السلاح. يبكي على طفلٍ في مدينةٍ ما، ويصمت عن مذبحةٍ في مدينةٍ أخرى، لأن الضحية لم يكن يحمل لوناً مناسباً، أو جنسيةً يُعترف بألمها.

 

في وجوه الأطفال الهاربين من الموت، ترى كلَّ الخيبات الممكنة: أين العرب؟ أين المسلمون؟ أين الإنسانية؟ لكن لا أحد يجيب. وحده الصمت يطاردهم في خيام البؤس، في الملاجئ الباردة، في أسرّة المرضى الذين لا دواء لهم ولا أمل.

 

النزوحُ من الوطن نزف، لكنه حين يكون من القصف إلى المجاعة، ومن الحرب إلى العطش، ومن الحصار إلى الشتات، يكون خذلاناً لا يُغتفر. نزوحٌ ليس من أجل الحياة، بل فقط كي لا يموت الإنسان مرةً واحدة.

 

وغزة وحدها تُواجه العاصفة، تقاوم بلا ظلال ولا ظهير. مدينةٌ محاصرة من البحر والبر والخذلان، تُقصف نهاراً وتبكي ليلاً، ثم تحيا من تحت الركام كأنها لا تموت. كلُّ شيءٍ فيها ينهار: البيوت، المدارس، المستشفيات، وحتى الأمل. أطفالها يُولدون كباراً، يحفظون أسماء الشهداء أكثر من أسماء الألعاب، ويكبرون في نعوشٍ صغيرة، بلا شموع ميلاد.

 

غزة ليست مجرد مدينةٍ تُقصف، بل ضميرٌ يُدفن يومياً على مرأى من العرب والمسلمين والعالم.

هناك، تحت التراب، لا يرقد القتلى فقط، بل ترقد إنسانيتنا جميعاً.

 

وما زالوا يقولون: "اصبروا"... كأنهم لا يعلمون أن الصبر في غزة صار وجعاً بلا نهاية، وأنه لا أحد ينجو هناك، حتى لو بقي حيّاً.

لا مفرّ... إلا إلى الله، سبحانه وتعالى، وإليه المصير.

 

[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.


مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

من نيبال إِلى غزّة: حين يُغلِقُ الحاكمُ أُذُنيهِ عن صرخاتِ شعبهِ!

القمع لا يقتل الأفكار، بل يورثها مزيداً من الاشتعال. وكل كلمة مكتومة تتحول جمراً تحت الرماد، تنتظر ريحاً صغيرة لتتحول ناراً تعصف ب… تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير