غزّة لا تنتظر القيامة... إنّها تعيشها!

منذ شهر   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

في غزّة، لم يعد الناس يعيشون كباقي البشر. هناك، الحزن لا يُوصف، ولا يُقاس، ولا يُحتمل. تنهار الحياة بصمت، ومعها تنهار أحلام الطفولة، وضحكات الأمهات، وكرامة الآباء، وكلّ ما يشبه الحياة.

 

الناس في غزّة تائهون، كأنّهم في يوم الحشر. العيون شاردة، الأجساد منهكة، والأنفاس مثقلة بالدخان والدمار والجوع. طفلٌ يحمل أخاه المذبوح دون دموع، لأنّ الدموع قد جفّت منذ زمن بعيد. أمٌّ تُفتّش في الرماد عن بقايا رغيف، أو عن ملامح وجه دفنته النيران.

 

في غزّة، لا وقت للحزن، ولا مكان له، فكلّ شيء هناك مغموس بالحزن: الشمس، القمر، السماء التي تبكي، والأرض التي تنزف. كلّ زقاقٍ يشهد على موت، وكلّ خيمةٍ تروي مأساة، وكلّ حجرٍ يحمل اسماً كان حيّاً، ثم صار شهيداً.

 

إلى علماء الأمّة، وخطباء المساجد، ومفسّري يوم القيامة:

 

هل يُعقل أن يُحاسب أهل غزّة على ذنوبهم يوم الحساب؟

هل بعد مئات الأيام من الحصار والموت والجوع والتشريد والخذلان، يُنتظر أن يصطفّوا بين يدي العدل الإلهي؟

هل ستسألهم الملائكة عن تأخير صلاة الفجر، وهم لم يناموا ليلةً واحدة إلا تحت صواريخ لا تعرف وقتاً؟

هل سيُسألون عن إفطار يومٍ من رمضان، وهم لا يجدون ما يفطرون عليه أصلاً؟

 

أيّ جحيم أعظم من هذا؟

وأيّ صبرٍ يشبه صبرهم؟

وأيّ نارٍ أشدّ من تلك التي تحرقهم وهم أحياء؟

 

في غزّة، الناس لا ينتظرون القيامة، إنّهم يعيشونها.

ولا يخافون الموت، لأنّهم يصادقونه.

في غزّة، لكلّ دمعة ثمن، ولكلّ صرخة قصّة، ولكلّ روحٍ طاهرة مقام لا تدركه الأرض.

 

غزّة اليوم ليست مجرّد مدينة، بل شهادة حيّة على خيانة العالم، وصمت الضمير، وزيف الخطاب.

إنّها كتابٌ مفتوحٌ في حضرة الله، صفحاته مكتوبة بالدم، وسطوره آياتٌ من عذاب لا يُحتمل.

 

يا رب، إن نسينا نحن، فلا تنسَ أنت.

وإن خذلناهم، فلا تتركهم وحدهم.

فأهل غزّة... شفعاؤنا يوم الحشر، لا مذنبون.

 

غزّة ليست جغرافيا فقط، بل اختبارٌ يومي لإنسانيّتنا.

في كلّ يومٍ تُقصف فيه البيوت، تُقصف معه الضمائر.

وفي كلّ مرّة يصمت فيها العالم، تصرخ غزّة وحدها.

 

ستنتهي الحروب يوماً، وسينزل الليل ستاره، لكنّ وجه غزّة سيبقى محفوراً في الذاكرة،

شاهداً على زمنٍ ظالم،

يصرخ فينا: "كنتُ أُذبح أمامكم، فماذا فعلتم؟"

 

سلامٌ على غزّة،

على ترابها المجروح،

وأرواحها الطاهرة،

وصبرها الذي تخجل منه الجبال.

سلامٌ على من عاشوا يوم القيامة قبل أن تقوم الساعة.

 

وليُدرك العالم أجمع:

لن ننسى، ولن نغفر،

لكلّ من أدار ظهره لغزّة وهي تُباد،

لكلّ من تواطأ، وصمت، وساهم، وبرّر، وتجاهل.

الخذلان جريمة،

والصمت شراكة في الدم،

والتاريخ لا يرحم.

 

[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.

 

 

مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

غزة تدقّ جدران الخزان... ولا يسمعها إلا غسان كنفاني!

في نهاية روايته "رجال في الشمس"، أطلق غسان كنفاني صرخته المدوّية: "لماذا لم تدقّوا جدران الخزان؟" كانت أكثر من مجرد سؤال؛ كا… تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير