كَشكَش يحرُسُ العدالة... وخليل نزار بنات ينتظرُ الغائبين

منذ أسبوعين   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

خليل...

ذاك الطفل الذي عبر الطفولة دون أن يلمسها،

يجلس كل مساء عند نافذةٍ لا تطل على البحر، ولا على الأمل،

بل على مقبرةٍ صغيرةٍ تسكن في صدره، اسمها: "أبي".

لا يقرأ كتاباً، فالكتب ثقيلةٌ على قلبٍ مثقوب،

ولا يلعب، فاللعب يحتاج إلى ضحك... والضحكُ خائنٌ في حضرة الغيابِ.

 

إلى جواره، كلبُه كَشكَش،

جنديٌّ صامت، لا يحمل رتبةً، ولا ينتمي إلى جهازٍ أمني،

لكنه يعرف جيداً أن الوفاء ليس بنداً في قانون، بل نبضٌ في القلب.

كَشكَش لا يفاوض، لا يكذب، لا يرفع شعارات "الوحدة الوطنية"،

ولا يخطب في الهواء مثل من جعلوا من الكراسي أوطاناً، ومن الخيانة حنكةً سياسية.

 

أما محمود عباس (أبو مازن)، فيقف هناك...

في برجٍ عاجيٍّ من الكرتون، يتكئ على شرعيةٍ مهترئة،

كقميصٍ نُسي على حبل الغسيل، فسرقته الرياح.

يتحدث عن الدولة وكأنها لعبةُ شطرنج،

ويُقسم على "الوحدة" وهو ينام على الانقسام،

يوقّع وثائق السلام كما يوقّع التلاميذ على دفتر الغياب.

رئيسٌ لا يحكم، بل "يمكث"... كغيمةٍ لا تمطر، كصدى لا صوت له.

 

خليل لا يفهم كل هذا،

هو فقط يريد أن يعود صوت أبيه من خلف الغياب،

أن تفرح أمّه مرةً بلا أن تُخفي دمعَها تحت الشال،

أن يُخبّئ له أحدهم هدية عيد ميلاد، حتى لو كانت وردةً بلا رائحة.

لكنه يعرف أن كلّ ذلك لن يحدث... لأن "الدولة" قتلت أباه،

ولأن "الرئيس" لا يرى الأطفال إلا في صورٍ يبتسم فيها للكاميرا.

 

وفي الزاوية، يظل كَشكَش عند قدمي خليل،

لا ينتظر تعليمات، لا يخون، لا يكتب تقارير،

يحرس الحزن كما يُحرس الوطن... حين يغيب الوطن.

ففي صمت كَشكَش، كان الوفاء أصدق من أي سلطة، وأقوى من أي محكمة.

 

كم هو مؤلمٌ أن نحتاج إلى كلبٍ ليُعلّمنا معنى الوفاء،

وأن يكون الطفلُ أكثر رجولةً من كل ساسةِ المقاطعة.

في بلادٍ يُطربها النفاق، ويموت فيها الصادقون،

ربما نحتاج إلى جيشٍ من أمثال كَشكَش،

لا ليحرسوا القصور، بل ليحرسوا الحقيقة من قراصنة السلطة.

 

وفي آخر المشهد، لا يعلو صوتٌ سوى أنفاس خليل،

ولا يتحرك شيءٌ سوى ذيل كَشكَش، كأنه يُطمئن صاحبه أن الليل لن يطول،

لكن خليل يعرف أن الليل في بلادٍ كهذه قد يمتد لعمرٍ كامل.

أما العدالة، فتبدو ككائنٍ أسطوري، يُروى في الحكايات ولا يُرى في المحاكم.

وحده كَشكَش ما زال وفيّاً،

يقف على باب الغياب،

ينتظر عدالةً لن تأتي،

وصاحباً لن يعود.

 

وهكذا، يبقى خليل معلّقاً بين سؤالٍ لا يُجيبه أحد، ونافذةٍ لا تفتح على شيء.

يبقى كَشكَش عند الباب، لا ينام، لا ييأس... فقط يواصل الحراسة بصمت.

وفي مكانٍ بعيد، يتململ الرئيس، غير مدركٍ أن الوطن حين يفقد أبناءه لا يحتاج إلى عدو... يكفيه أن يحكمه الغياب.

فالعدالة هنا لا تموت بصوتٍ عالٍ... بل تختنق في الظل، بصمتِ الكلاب، ودموعِ الأطفال.

 

[محمود كلّم] كاتب فلسطيني يكتُبُ في الشَّأنين السِّياسيِّ والوجدانيِّ، وَيُعنَى بقضايا الانتماء والهُويَّة الفلسطينيَّة. يرى في الكلمة امتداداً للصَّوت الحُرِّ، وفي المقال ساحةً من ساحات النِّضال.

 

 

 

 

 

 

مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

لا تصالح... أمل دنقل والقصيدة التي تنزف من غزة!

منذ اثنين وأربعين عاماً، غاب عن الدنيا صوت لم يُهادن، ولم يُساوِم. أمل دنقل، الشاعر الذي كتب "لا تصالح"، ورحل، لكنه لم يغادر. … تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير