الذين خذلونا… هُناك، حيث يُدفَنُ الوطنُ في حضرةِ الفسادِ

منذ 5 أشهر   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

الفاسدون لا يبنون وطناً… بل يسحقون ما تبقّى من ملامحه

 

"الفاسدون لن يبنوا وطناً، إنما يبنون ذاتهم ويفسدون أوطانهم"

قالها نيلسون مانديلا، وهو يخرج من عتمة السجن إلى نور الحقيقة.

أما نحن، فما زلنا نعيش في وطن يسجنه أبناؤه بأيديهم، ويغلقون عليه الأبواب باسم التنسيق الأمني المقدس .

 

في الضفة الغربية، لا تُقاس المسافة بين العدو والمواطن بالأمتار، بل تُقاس بعدد الأجهزة الأمنية التي تفصل بينهما.

فالفلسطيني اليوم ليس فقط مهدداً من الاحتلال، بل من سلطة باتت ترى في المقاومة خطراً أكبر من المستوطنين، وتُطارد المقاوم أكثر مما تطارد القاتل، وتُطوّق جنازات الشهداء أكثر ما تُطوّق بؤر الاستيطان.

 

سلطة أوسلو لم تبنِ دولة، بل بنت طبقة محصّنة من الفساد، ممدودة اليد إلى المانحين، ومشدودة الظهر إلى كرسيّ التنسيق الأمني.

بنت ناطحات رواتب لموظفيها، وسجوناً لأبناء شعبها، ومؤسساتٍ بواجهات أنيقة تخفي وراءها جيوباً مثقوبة وضمائر ميتة.

 

الشوارع في الضفة لا تنام، لكنها لا تنهض أيضاً.

مليئة بالغضب، بالوجوه التي أكلها القهر، بالشباب الذين لا يجدون ملاذاً في الجامعات ولا في المقاهي، بالعمال الذين يسلكون طرق الموت بحثاً عن لقمة في ورشات المحتل.

وفي المقابل، هنالك مكاتب مكيفة، وأبناء مسؤولين يسافرون بلا حواجز، ويعيشون بلا خوف، ويتحدثون عن الوطن كأنه شركة عائلية، أو مزرعة خاصة.

 

هل هكذا يُبنى وطن؟

هل يُبنى الوطن على قمع حرية الكلمة، وعلى ملاحقة الصحفيين، وعلى تحويل الجامعات إلى ثكنات، وعلى إرسال التهاني لقيادة الاحتلال بعد كل عملية اغتيال؟

 

الفساد ليس فقط في السرقة.

الفساد في أن ترى القتل وتصمت، أن تعرف الحقيقة وتكذب، أن تكون حارساً للظالم بدلاً من أن تكون نصيراً للمظلوم.

الفساد أن يتحوّل حلم العودة إلى "تصريح مرور"، وأن يُصبح الشرف الوطني تهمة في محاكم أمن الدولة.

 

هذا وطن تُسحق فيه الكرامة بين فكي الاحتلال والسلطة، بين مطرقة الفساد وسندان القمع.

ما عاد الحزن كافياً، ولا الشعر نافعاً، ولا الصراخ مُجدياً.

 

مانديلا قالها:

"الفاسدون لا يبنون وطناً… إنما يسرقون روحه، ويتركونه بلا ملامح".

 

يُصبح الوطن حكاية يُروى عنها ولا يُعاش فيها.

المواطن غريب في أرضه، متّهماً إن حلم، ملاحقاً إن قال، مسجوناً إن قاوم، ومنسياً إن مات.

وفي حضرة الفاسدين، لا يُرفع علم، بل تُرفع الجدران بين الناس، ويُكمم الصوت، وتُباع القضية قطعةً قطعة، حتى لا يبقى من الوطن سوى اسمه، ومن الحلم سوى وجع لا يشفى.

 

وإن سُئلنا: من سرق الوطن؟

فلن نشير فقط إلى المحتل، بل إلى من خانه من الداخل، إلى من داسته أقدامهم وهم يرفعون شعارات لا يؤمنون بها، ويحكمون شعباً لا يخجلون من جوعه.

 

فالفاسد لا يبني وطناً… بل يحفر قبره، ويمشي عليه دون أن يلتفت إلى وجع الأمهات.


مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

من نيبال إِلى غزّة: حين يُغلِقُ الحاكمُ أُذُنيهِ عن صرخاتِ شعبهِ!

القمع لا يقتل الأفكار، بل يورثها مزيداً من الاشتعال. وكل كلمة مكتومة تتحول جمراً تحت الرماد، تنتظر ريحاً صغيرة لتتحول ناراً تعصف ب… تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير