أم ناظم: دموعُ الانتظارِ وحلمٌ ماتَ في أحضانِ الغيابِ!

منذ 6 أيام   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

في أزقّةِ مخيّمِ شاتيلا، حيثُ تختلطُ رائحةُ الأرضِ المبتلّةِ بدموعِ المنفى، وحيثُ تروي الجدرانُ قصصاً عن اللجوءِ والمقاومةِ، سكنت سمية إسماعيل (أم ناظم)، امرأةٌ حملت على أكتافها أثقالَ النكبةِ، وأهدت عمرها لشعبها، دون أن تنحني أمام قسوة الحياةِ.

 

سمية، ابنةُ الكابري في قضاء عكا، عاشت طفولةً مختصرةً، لم تتجاوز اثنتي عشرةَ سنةً قبل أن تقتلعها النكبةُ من أرضها.

ورغم أنها لم تعرف المدارسَ، ولم تتعلم الكتابةَ والقراءةَ، فإنها امتلكت قدرةً فريدةً على الخطابةِ، كأنَّ صوتها خُلِق ليكون صوتاً يحملُ حنيناً عميقاً إلى الوطنِ المسلوبِ، وتحفزاً لإبقاء الذاكرة الفلسطينية حيّةً رغم المحنِ.

 

لم تكن حياتُها سهلةً؛ فالمخيماتُ زادت غربتها ألماً، والحروبُ سرقت أعزاءَها. فقدت ثلاثةً من أحبائها: ولدها محمد في تل الزعتر، ثم أحمد وزوجها صالح في حرب المخيمات. ومع ذلك، لم تكسرها المآسي، بل زادت من صلابتها كرمزٍ للصمودِ، واحتفظت بذاكرة وطنيةٍ لا تشيخُ، حاملةً على لسانها حكايا الوطنِ وأوجاعِ اللاجئينَ.

 

كانت "أم ناظم" امرأةً فريدةً تنبضُ بالحياةِ رغم قسوتها. في كل زاويةٍ من وجهها كانت هناكَ حكايةٌ، وفي كل حرفٍ نطقت به كان صوتُ الأرضِ الفلسطينيةِ يترددُ من بين شقوق الجدرانِ. كان قلبُها متسعاً كالسماءِ، يحمل في طياته كلَّ جراحاتِ أبناء شعبها. وفي حديثها كانت فلسطينُ تُرى، تُلمسُ، وتُسمعُ.

 

انتظرت "أم ناظم" تسعاً وعشرينَ عاماً كي تكتمل فرحتها برؤية ابنها ناظم، المختطفِ في السجونِ العربيةِ، لكن القدرَ لم يُمهلها حتى تُعانقه. كانت كلَّ يومٍ تجدد الأملَ في قلبها، رغم أن قلبها كان يكاد ينفطرُ من الشوقِ، ولكنَّ الأقدارَ تلاشت كلما اقتربت، حتى رحلت وهي لا تزالُ تنتظرُ لحظة اللقاءِ التي كانت تبنيها في كلِّ ليلةٍ، متخيلةً عناقاً قد لا يأتي أبداً.

 

غادرت الحياة، فظلَّ اللقاءُ بينهما حُلماً ضاع في مساراتِ الزمنِ.

 

رحلت لتضيف إلى سجلِّ مآسي الفلسطينيين قصةً جديدةً عن الشوقِ والخذلانِ.

غادرت هذه الأرض التي لم تعرف سواها، وبقيَ مكانُها في شاتيلا فارغاً، محملاً بالذكرياتِ، وبالآلامِ التي لا تنتهي.

 

ورغم رحيلها، سيظلُّ صوتُها باقياً في آذاننا، يهمسُ في كلِّ زاويةٍ، يُذكرُنا بعذاباتِ اللجوءِ، وأملِ العودةِ الذي لا ينطفئُ، وألمِ الانتظارِ الذي طالَ.

 

إنَّ غياب "أم ناظم" هو غيابُ حياةٍ سطرها الألمُ والأملُ، واحتضنتها دموعُ الانتظارِ التي لا تعرفُ الرحمة.

رحلت جسداً، ولكنَّ روحها باقيةٌ في قلوبِ كلِّ من عرفوها، رمزاً للنكبةِ المستمرةِ، وللوطنِ الذي لا يموتُ.

مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

أم ناظم: دموعُ الانتظارِ وحلمٌ ماتَ في أحضانِ الغيابِ!

في أزقّةِ مخيّمِ شاتيلا، حيثُ تختلطُ رائحةُ الأرضِ المبتلّةِ بدموعِ المنفى، وحيثُ تروي الجدرانُ قصصاً عن اللجوءِ والمقاومةِ، سكنت … تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    تتقدم مؤسسة العودة الفلسطينية من عمال فلسطين بأطيب الأمنيات وأجلّ التحيات لما يقدمونه من جهد وعمل وتضحية..
صامدون - عاملون - عائدون
    تتقدم مؤسسة العودة الفلسطينية من عمال فلسطين بأطيب الأمنيات وأجلّ التحيات لما يقدمونه من جهد وعمل وتضحية.. صامدون - عاملون - عائدون