غزّة بين جحيمِ ترامب وخذلانِ الأُمّة!

منذ 9 أشهر   شارك:

محمود كلّم

كاتب فلسطيني

يا لهُ من تهديدٍ مُلهمٍ! دونالد ترامب، سيِّدُ الدراما ومُهندسُ المُفاجآتِ السِّياسيَّةِ، يُهدِّدُ قطاعَ غزَّةَ بفتحِ أبوابِ الجحيمِ إذا لم يُفرج عن الأسرى الصهاينة. لكنَّ السؤال الذي لا بدَّ أن يُطرح: أيّ جحيمٍ هذا الذي يُهدِّدُ بهِ ترامب؟

 

أليس هو ذاتُ الجحيمِ الذي يعيشهُ أهلُ غزَّةَ يوميّاً منذُ عقودٍ؟

 

ترامب، بنبرتهِ الجهوريَّةِ وبريقِ منصَّتهِ الذَّهبيَّةِ، يُلوِّحُ بيديهِ كما لو كان يُديرُ عرضاً هزليّاً في لاس فيغاس، ثمَّ يُلقي تصريحاً أرادهُ مدوِّياً: "سنفتحُ أبوابَ الجحيم!" وكأنَّ تلك الأبوابَ موصدةٌ أصلاً!

 

غزَّةُ، يا ترامب، ليست بحاجةٍ إلى جحيمٍ آخر.

الواقعُ فيها يكفي ليفوقَ أيَّ سيناريو رعبٍ قد يتخيَّلُهُ دماغُكَ الهوليووديُّ.

 

عشراتُ الآلافِ من الشهداءِ والجرحى، ومدينةٌ لم تعُد تصلُحُ إلَّا كخلفيَّةٍ لفيلمٍ عن قصصِ الأشباحِ والأنقاضِ.

 

الكِلابُ الضَّالَّةُ تبحثُ بين الرُّكامِ عمَّا تبقَّى من حياةٍ، بينما المخيَّماتُ "المؤقَّتة" باتت مُستدامةً، والخيامُ المكتظَّةُ تُصبحُ سقفاً دائماً للناجينَ الذين يتحسَّرونَ على أيَّامٍ كانوا فيها سجناءَ في "سجنِهم المفتوحِ" المُسمَّى غزَّة.

 

فهل تظنُّ، يا ترامب، أنَّ تهديداً دراميّاً كهذا قد يُرعبُ شعباً اعتادَ الحياةَ في قلبِ الجحيمِ؟

 

الحقيقةُ أنَّ أهلَ غزَّةَ تجاوزوا الجحيمَ منذُ زمنٍ بعيدٍ. إنَّهم يتنفَّسونهُ، ويعيشونَهُ، ويحوِّلونَهُ إلى روتينٍ يوميٍّ، يختلطُ فيهِ الموتُ بالحياةِ، والصَّبرُ بالقهرِ.

 

وربَّما عليكَ أن تعرفَ، يا سيِّد البيتِ الأبيضِ، أنَّ فتحَ أبوابِ الجحيمِ لن يكونَ بالنسبةِ لغزَّةَ إلَّا باباً جديداً لتذكيرِ العالمِ بأنَّ هناكَ شعباً لا يزالُ صامداً، يصرخُ في وجهِ الكونِ: "نحن شعبٌ لن يُقهرَ! "

 

في الحقيقة، لو كان هناك جحيمٌ آخر، فربَّما سيأتي ببعض الامتيازاتِ التي لم تعرفها غزَّةُ منذُ زمنٍ.

 

من يدري؟ ربَّما جحيمُ ترامب يتضمَّنُ إنترنتاً أسرعَ أو ماءً صالحاً للشُّربِ؟

 

أمَّا خطابُ ترامب، فهو ليس أكثر من استعراضٍ هزليٍّ يهدفُ إلى إضافةِ جرعةٍ من الإثارةِ إلى قضيَّةٍ قديمةٍ قِدمَ صمودِ غزَّة.

بالنِّسبةِ لأهلِها، باتت تهديداتُ الجحيمِ مجرَّد نُكتةٍ أخرى، يضحكونَ عليها بحسرةٍ ومرارةٍ، قبل أن يعودوا إلى نضالِهم الأبديِّ داخلَ جحيمِهم الحقيقيِّ، ذلك الجحيمِ الذي لم تُغلَق أبوابُهُ يوماً.

 

لكن في وسطِ هذا السِّيناريو، لا يمكننا إلَّا أن نستذكرَ المأساةَ الحقيقيَّةَ: خذلانُ الأُمّةِ العربيَّةِ والإسلاميَّةِ. بينما يلوِّحُ ترامب بمفاتيحِ الجحيمِ، تُغلَقُ أمام غزَّةَ أبوابُ الأُخوَّةِ والمساندةِ، تلكَ الأبوابُ التي كان يجبُ أن تُفتحَ منذُ زمنٍ.

 

غزَّةُ ليست فقط ضحيَّةً للاحتلالِ والصَّواريخِ، بل هي أيضاً ضحيَّةُ صمتٍ عربيٍّ مدوٍّ، وتواطؤٍ مُهينٍ.

 

عالَمٌ عربيٌّ غارقٌ في التَّنديدِ من بعيدٍ، مُمتنعٌ عن مدِّ يدِ العونِ، وكأنَّ تلك اليدَ باتت ثقيلةً أو ملوَّثةً بمصالحِهِ الضَّيقةِ.

 

في عصرِ الثَّراءِ والقوَّةِ، كيف أصبحت غزَّةُ مكاناً يُقتاتُ فيهِ شعبٌ بأكملِهِ على الصَّبرِ وحدهُ؟

 

الحزنُ الحقيقيُّ لا يكمنُ فقط في تهديداتِ الأعداءِ، بل في تلك النَّظراتِ الفارغةِ القادمةِ من أمَّةٍ كانت يوماً عظيمةً، لكنَّها الآنَ عاجزةٌ عن تضميدِ جراحِ غزَّة.

 

فأيُّ جحيمٍ هذا الذي نخشاهُ أكثر من خذلانِ الأخِ لأخيهِ؟

 

 

مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

من نيبال إِلى غزّة: حين يُغلِقُ الحاكمُ أُذُنيهِ عن صرخاتِ شعبهِ!

القمع لا يقتل الأفكار، بل يورثها مزيداً من الاشتعال. وكل كلمة مكتومة تتحول جمراً تحت الرماد، تنتظر ريحاً صغيرة لتتحول ناراً تعصف ب… تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    معايدة رمضانية 

تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.

 رمضان كريم 
نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى.

كل عام وأنتم بخير 
    معايدة رمضانية  تتقدم شبكة العودة الإخبارية بأسمى آيات التهاني والتبريكات إلى أمتنا العربية والإسلامية، وخاصة شعبنا الفلسطيني العظيم بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك.  رمضان كريم  نسأل الله أن يعيده علينا بالخير واليُمن والبركات، وأن يتقبل منا ومنكم الصيام والقيام، وأن يوفقنا جميعًا لما يحب ويرضى. كل عام وأنتم بخير