قراءة في رواية طوفان القلوب للكاتب د. هيثم شبلخ

منذ شهر   شارك:

فايز أبو عيد

إعلامي فلسطيني

ثيمة رواية طوفان القلوب التي بين يدينا، ثيمة صراع أزلي بين الحق والباطل، بين أصحاب أرض يدافعون عنها لاستعادتها، وبين مغتصب لا يتوانى عن فعل أي شيء محرم لفرض هيمنته وسيطرته على أرض احتلها بالقوة ومن غير وجه حق، لم تكن الرواية تتحدث عن واقع عملية طوفان الأقصى فحسب، بل أنها تغلغلت في عمق أحداثها وتداعياتها وأسبابها.

رواية طوفان القلوب للكاتب والروائي السوري د. هيثم شبلخ الصادرة حديثاً عن دار الرموز العربية للنشر والتوزيع، والتي تقع في 138 صفحة من القطع المتوسط، تحدثك بلغة جزلة بسيطة سهلة ممتنعة عن أحداث عملية طوفان الأقصى التي كانت حدثاً مزلزلا أطاح بمفاهيم ومعتقدات وتقاليد ظنّ الكثيرون أنها راسخة لا تهتز ولا تتهاوى ولا تتبدل، فأعادَت ترتيبَ أولويات الأمة العربية والإسلامية والساحة الدولية.

تدور أحداث الرواية حول رسالة أرسلتها شابة إسرائيلية اسمها غولدا 25 عاماً تم أسرها مع والدتها صباح يوم السابع من أكتوبر مع عدد كبير من الإسرائيليين، تورِدُ فيها تفاصيل دقيقة عن تعرضها للأسر وهواجسها ومخاوفها ولحظات الرعب التي عاشتها خلال عملية أسرها، وأنها لم تكن تعلم أنّ صباح 7 اكتوبر 2023 المشرقَ الصافي الحافلَ بالأمنياتِ الباهرة والخيالاتِ الزاهرة بالنسبة لها، سينقلب رأساً على عقب خلال دقائق، وستجد نفسها في لجّة طوفانٍ الأقصى، وترى وقائعَ وتعيشُ أحداثاً مفزعة قاسية مزلزِلة ما خطرت لها سابقاً ولا في أسوأ كوابيسها، وتطيح بمفاهيمَ و معتقداتٍ و تقاليدَ ظنتها وظنّها الكثيرون راسخةً لا تهتز و لا تتهاوى و لا تتبدل.

ينقلنا د. هيثم شبلخ في رواية طوفان القلوب إلى عوالم خفية ينبش من خلالها وبطريقة إبداعية وموضوعية وسردية عالية هواجس وأفكار وأسئلة وجودية ومعتقدات تعتنقها الأسيرة غولدا وتؤمن بها، ويشير إلى حق تاريخي وأزلي لشعب احتُلت أرضه وطرد منها وقتل وشرد وهجر، ولا يملك سوى المقاومة لاستعادة وطنه السليب.

يبدع الكاتب في تفكيك الرواية اليهودية لاحتلالها فلسطين من خلال فتح باب النقاش بين غولدا وكلٍّ من أبي الطيب وشقيقته خولة، والغوص في صميم تفنيد تاريخ زائف تؤمن به غولدا وكل يهودي بحتمية بقاء إسرائيل وأحقيتها في فلسطين، وتأكيدٍ على حق الشعب الفلسطيني في أرضه وتاريخه الضاربة جذوره في عمق التاريخ.

وببراعة وحنكة يخلق الكاتب هيثم شبلخ جواً من الحوار البناء، وذلك من خلال طرح غولدا على أبي الطيب السؤال المعهود: لماذا فعلتم ذلك؟ لماذا قمتم بهذه العملية؟ ولماذا أشعلتم ناراً ربما كنتم أكثر من سيعاني من آثارها؟

  • أبو الطيب ذاك القسامي حاد الملامح بهدوء : المشكلة عند من يسأل هذا السؤال أنه يتجاهل حقائق الأمور والوقائع على الأرض، إنّ لما جرى في صباح السابع من أكتوبر جذوراً تمتد لمئة عام سابقة، وإنكم أنتم من أشعل فتيلها, إنكم تنسون أنّ كياناً نشأ بالقوة عام 1948 على أرض غيره، فقتل معظم أهلها وطرد الباقي، وأنتم تتعاملون مع نتائج هذه الاعتداءات على أنها واقع يجب التعايش معه، ومن ثم يغدو على ضحايا هذا الاحتلال أن يستسلموا للواقع المفروض ويقبلوا بنتائجه، فإن حاولوا المقاومة أو استرداد بعض الحق أو دفع بعض الأذى كان ذلك سبب كل حرب تقوم في المنطقة.

تنساب أحداث الرواية انسياباً، وتأخذ منعرجاً عجيباً، فالأسيرة بدأ صراعٌ مريرٌ ينشب بداخلها بين أفكار كانت راسخة في عقلها وقلبها، وأفكار طرأت عليها وتغلغلت في أعماقها وبدلت الكثير من مفاهيمها خلال فترة الأسر، كما أنها وقعت بحب مَن أسرها لأنها رأت فيه الرجولة والكبرياء والأنفة والعزة والمعاملة الحسنة، التي ما كانت تتوقع أن تُعامل بمثلها بسبب تلك الأفكار والمعلومات الزائفة التي قرؤوها في أدبياتهم وحُشيت عقولهم بها.

وهنا اقتبس مقولة الروائي د. هيثم شبلخ: "وعندما أحاط الطوفان بقلبها فاض ذلك الفؤاد بأسرار وأخبار ومعانيَ ".

ثم تتوالى الأحداث لتعرج على منعطفات وأحداث أدت إلى تبدل آراء وقناعات غولدا التي بدأ صراع داخلي ينشأ في داخلها ما بين ولائها العميق لدولتها وأسطورتها، وما سمعته وشاهدته طوال فترة أسرها من أفعال بشعة وقتل وتدمير وارتكاب للمجازر بحق المدنيين، تلك الأحداث حفرت في ذاكرتها عميقاً وتركت أثراً كبيراً على حياتها المستقبلية.

بعد خمسين يوماً من العدوان القاسي المدمر على غزة بأهلها وأرضها وبيوتها وحجارتها، عُقدت هدنةٌ إنسانية تم فيها تبادل الأسرى والمعتقلين من النساء والأطفال، وشهدَ العالمُ بأسره تلك الصورَ الإنسانية المشرِّفة التي كانت تُبثُّ من غزة وتُظهر حُسنَ المعاملة التي نالها الأسرى المُفرَج عنهم..

و أمّا (غولدا) التي عادت إلى منزلها فقد أصبحت غريبة ( كما تقول ) في وطنها وعوملت معاملة الخونة بسبب عدم إدلائها بمعلومات تفيد أجهزتها الأمنية ( لأنّ آسريها لم يمكنّوها أصلاً من الحصول على مثل تلك المعلومات) , ولأنها قامت مع رفاقها بإلقاء تحية الوداع على خاطفيها، فعاشت أياماً عصيبة خاصة بعد تدهور صحة والدتها , فباتت غولدا تنفر من حياتها ووحدتها وضعفها وبدأت أحلامها تتهاوى أمامها ، وصارت تتأرجح ما بين يقين وشكٍّ في كل مسلمّاتها ومعتقداتها السابقة، ودولتها الموعودة التي كان من المفترض أن تمثل ذروةَ آمالها وطموحاتها، وفي لجّة هذا الصراع النفسي صارت غولدا على حافة الانهيار العظيم فأين تُراها تجد راحةَ نفسها المعذّبة ؟

وهنا أيضاً أقتبس من الرواية هذه العبارة المؤثرة المعبرة والتي تختزل حكاية غولدا: "خمسون يوماً قضتها سفينة غولدا تصارع ذلك الطوفان العظيم، فلمّا ظنّت أنّها نجت منه أدركت أنّ ذلك الطوفان كان أقوى مما ظنّت وأشدَّ تأثيراً".

عود على بدء، هنا أختم بما خطّه الكاتب د. هيثم شبلخ كإهداء في بداية روايته لأن بين طيات كلماته عبارات نابعة من القلب تتباهى وتتفاخر بما صنعته المقاومة الفلسطينية بإطلاقها عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر، فيقول: "إلى الذين صاغوا من دمائهم فجر هذه الأمة، وصنعوا من عذاباتهم فُلكَ نجاتها حين طمي الطوفان، ونظموا من أنّاتهم أناشيد عزها وفخرها، فنهضت بعد طول كبوة، واستقامت بعد زمان عثرة، وقالت لباقي الأمم: أولئك أبنائي".

تلك كانت قراءتي لهذه الرواية بعد أن قرأتها في جلسة واحدة، ولعل تلك الرواية تغدو لبِنةً جديدة في البناء المعرفي الذي يجب أن يمتلكه كلّ عربي ومسلم حول قضية فلسطين.

مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة "Gaza Writes Back"

  !israel is a piece of shit and they know ittwitter.com/ThisIsGaZa/status/595385208385449985/photo/1 




تغريدة "عاصم النبيه- غزة"

 عندك القسام وبتأيد داعش؟ روح استغفر ربك يا زلمة.. #غزةtwitter.com/AsemAlnabeh/status/595507704338186240
 




تغريدة "أحمد بن راشد بن سعيد"

القاهرة تنتفض ضد قرار تقسيم #فلسطين عام 1947.كان زمان!لكن تظل #فلسطين_قضيتناtwitter.com/LoveLiberty/status/594548013504307200/photo/1




تغريدة "Joe Catron"

 Take a moment to thank "@MsLaurynHill" for cancelling her concert in occupied Palestinetwitter.com/jncatron/status/595337215695192064/photo/1




تغريدة "Dr. Ramy Abdu"

 المغنية الأمريكية المشهورة لورين هيل تلغي حفلها الفني في "إسرائيل" بعد حملة واسعة لنشطاء حركة المقاطعة.twitter.com/RamAbdu/status/595530542910742528




تغريدة "النائب جمال الخضري"

في #غزة يقهرون الإعاقة ويلعبون الكرة الطائرة أطرافهم بترت اثناء الحرب على غزة لا يأس ولكن عزيمة وصمود لهم التحية.twitter.com/jamalkhoudary/status/595520655858147328





 

فايز أبو عيد

قراءة في رواية طوفان القلوب للكاتب د. هيثم شبلخ

ثيمة رواية طوفان القلوب التي بين يدينا، ثيمة صراع أزلي بين الحق والباطل، بين أصحاب أرض يدافعون عنها لاستعادتها، وبين مغتصب لا يت… تتمة »


    ابراهيم العلي

    في ظلال يوم الأرض الفلسطينون : متجذرون ولانقبل التفريط

    ابراهيم العلي

     يعد انتزاع الاراضي من أصحابها الأصليين الفلسطينيين والإستيلاء عليها أحد أهم مرتكزات المشروع الصهيوني الاحلالي ، فالأيدلوجية الصهي… تتمة »


    تتقدم مؤسسة العودة الفلسطينية من عمال فلسطين بأطيب الأمنيات وأجلّ التحيات لما يقدمونه من جهد وعمل وتضحية..
صامدون - عاملون - عائدون
    تتقدم مؤسسة العودة الفلسطينية من عمال فلسطين بأطيب الأمنيات وأجلّ التحيات لما يقدمونه من جهد وعمل وتضحية.. صامدون - عاملون - عائدون