فلسطينيو تشيلي.. إنتماءٌ على قدر البعد
فرج أبو شقرا
ناشط شبابي فلسطينيرجل بلباس عربي يخترق جداراً ضخماً، مشاهد متحركة كثيرة من حوله، وصوت ضجيج منبعث من السيارات والمارة بالقرب منه، والتي ربما تحاول جاهدة إثارة انتباهه ليلتفت اليها ولو لبرهة من الزمن، وهو لا زال على ذلك الحال الذي ولد عليه، ثابت كالجبال، وراسخ كالرواسي، شاخص النظر لوجهة يريدها دون غيرها،، ذاك هو مشهد تمثال المهاجر الفلسطيني الواقع في وسط العاصمة التشيلية سانتياغو، وكأني به يعبر عن واقع حال الفلسطيني في تلك البلاد التي طوتها أميال الهجرة.
ليس دقيقاً عدد الفلسطينيين في تشيلي، إلا أن المتابعين يقدرهم بما يقارب نصف مليون نسمة، ينحدرون بالمجمل من بيت جالا، بيت لحم وبيت ساحور في فلسطين، حيث وصل أوائل المهاجرون الى تشيلي في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، عبر جبال الأنديز مروراً بالأرجنتين، وقد عمل الفلسطينيون الأوائل على نقل حرفهم وأعمالهم الى موطن الهجرة الجديد، والدخول في ميدان التجارة، حيث أثبت الفلسطينيون أنفسهم جيداً في ذاك المضمار، فبات الفلسطينيون يسيطرون على حصة الأسد من اقتصاد الدولة، مما دفع بعضهم للدخول الى حلبة السياسة، فغدا للفلسطينيين عشر أعضاء البرلمان، وغالبية من الأنصار والمتضامنين فيه.
في تشيلي، اندمج الفلسطيني بشكل كامل مع ذاك المجتمع الذي بات مكوناً أساسيات من مكوناته، لذلك اشتهر مثل في البلاد "لا تخلو قرية من راهب وتاجر وفلسطيني" وبالرغم من ذلك الاندماج إلا أن الفلسطينيين في تشيلي حافظوا على هويتهم وانتماءهم وتراثهم، وبفضل نفوذهم الاقتصادي والسياسي في البلاد نشروا القضية الفلسطينية في أوساط الشعب التشيلي، واكتسبوا شريحة ضخمة من المؤيدين والمتضامنين.
في الأحياء العربية في تشيلي، تجد كثيراً من الفلسطينيين لا يجيدون العربية، ولا يتحدثون بلسان عربي، إلا أنه قلما تجد محلاً تجارياً أو منزلاً أو سيارة تخلو من علم فلسطين أو معلم يرمز لها. كثيرة بالعربية هي أسماء المحال التجارية هناك، "بيت جالا، شهرزاد، المصطفى وغيرها الكثير" ومن الشائع في أوساط الفلسطينيين في تلك البلاد وضع علم فلسطين واسمها على سياراتهم. وكذلك الحال بالنسبة لليافطات الإعلانية للمحال، أو البطاقات الشخصية كلها تحمل صورة علم فلسطين، أو الكوفية الفلسطينية.
كثيرة هي صور الإنتماء للوطن، وعديدة هي لوحات الهُوية، ومتنوعة هي مخطوطات الحنين. والتي بمجملها تعكس حقيقة واحدة واضحة جلية لا غبار عليها، حقيقة لم تطوها سنين الغربة، ولَم تمحها أميال الهجرة، تلك الحقيقة التي حفرت في صدر كل فلسطيني مهاجر على قدر ألم الهجرة الى آخر بقاع الأرض، إنها حقيقة أن فلسطين تعيش في قلوب أبناءها، وما الغربة إلا نار تحرق داخلهم فتزيد الشوق والحنين إليها كل يوم.
أضف تعليق
قواعد المشاركة