حامل الوثيقة إنسان

منذ 11 سنة   شارك:

طارق حمود

كاتب وباحث بالشأن الفلسطيني

على ضفاف نهر السين في العاصمة الفرنسية باريس كان الآلاف من أبناء الشعب الفلسطيني يحتشدون من كافة أنحاء القارة العجوز لتحويل يوم الثالث من أيار مايو الفائت إلى يوم فلسطيني بامتياز وبنكهة باريسية، وهو ما كان بالفعل، هذا في باريس الغرب، أما في "باريس الشرق" كما يحلو للبعض أن يسميها فقد كانت بيروت تتحضر لتسليم 49 لاجئاً فلسطينياً فاراً من سورية ومحتجزين في مطارها إلى السلطات السورية، بانتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني وقوانين حماية اللاجئين في مناطق النزاعات المسلحة.

كان حلم هؤلاء اللاجئين هو عبور مطار بيروت باتجاه ليبيا لركوب البحر في آخر مقامرة بالحياة باتجاه أوروبا، بعد أن ضاقت بهم بلاد العرب أوطاني، وبعد أن خَبِروا وجرّبوا كل زنازين المطارات العربية وذلها، والتي كان آخرها الحبس والترحيل لـ 12 لاجئاً من مطار العاصمة التونسية الأسبوع الذي سبقه، والذين لم تفلح كل النداءات والمناشدات لوقف عملية الترحيل القسري المخالف لأبسط قواعد القانون الدولي، وفي دولة تقول أنها تتجهز لتكون نموذج دولة الحريات والحقوق في بلاد العرب كما كانت نموذجاً لثوراته.

إن التعامل الأمني مع اللاجئين الفلسطينين في هذه المرحلة لهو أقل ما يمكن أن نطلق عليه ساديّة الحكومات العربية، وخضوع وذل حركة التحرر الفلسطينية التي باتت بلا احترام، ولا وزن مؤثر بعد أن أصبح الحصول على بطاقة (VIP) من الاحتلال هو أقصى غايات الممثل "الشرعي" للشعب الفلسطيني، وهو مايعكس بطبيعة الحال حالة من الانحدار في الخطاب والسلوك السياسي لممثلي الفلسطينيين، خاصة إن كان هذا الفلسطيني من مخيمات اللجوء، في القرار اللبناني سمعنا أصواتاً عالية من منظمات بالغرب والشرق تندد، ولم نكد نسمع همساً للممثل "الشرعي" حول القرار، بل إن حراك المنظمات الحقوقية تجاوز بسنوات ضوئية أي حراك سياسي فلسطيني بكافة مستوياته، الحراك الذي لم يعد في اعتبار دولة مثل لبنان تكاد تضم داخل حدودها كل متناقضات الشرق والغرب.

إن الحالة السياسية المترهلة فلسطينياً هي الحالة التي يدفع ثمنها لاجئ فلسطيني فار من ويلات الحرب في سورية، ذلاً ومنعاً وقهراً في مطارات وحدود الدول العربية، وهي الحالة التي يدفع ثمنها شيخ وامرأة وطفل داخل مخيم اليرموك المحاصر حتى الموت، وهي الحالة التي يعربد فيها نظام سادي وحلفاؤه في المحيط الإقليمي، فيكون الفلسطيني الحلقة الأضعف في القتل والتشريد ودفع الأثمان، ويكون الحلقة الأقوى في المتاجرة والدجل السياسي في الخطاب الإعلامي لبقايا ما يسمى زوراً وبهتاناً "مقاومة"، فحالة الانتهاك الصارخ بحق فلسطينيي سورية في لبنان تخرج من مؤسسة واحدة يعلم الجميع تبعيتها وولاءها، ويدرك الكل أن أدعياء حماية الفلسطيني هم الضامن الفعلي لكل قرار تعسفي بحقه. في كل يوم نواجه ونرصد قصة مؤلمة، ومصيبة جديدة تحل بعائلة أو مجموعة من فلسطينيي سورية، لا تكاد تخرج عن حدود العرب إلا قليلاً باتجاه دول لا تختلف عن ساديّة العرب بشيء.

لنا أن نتخيّل حجم المأساة التي تحل بالشعب الفلسطيني اللاجئ، ففي لحظات كتابة هذا المقال، هناك أربعة فلسطينيين مضربون عن الطعام في سجون سيرلانكا بعد أن تم احتجازهم بسجن عسكري منذ أسبوعين، وعشرات العائلات تتضور جوعاً، وترتعد خوفاً من حملات الاعتقال في تايلاند، وآخرون يفرون زرافات ووحدانا من عصابات الفوضى في ليبيا، إما باتجاه البحر عبر قوارب الموت، أو عبر مطار طرابلس ترحيلاً باتجاه دول الموت، ففي كل الحالات النتيجة واحدة وإن تعددت وسائطها، فيما الدبلوماسية الفلسطينية منهمكة إلى أقصى ما نتخيل في فكفكة المشروع الصهيوني من خلال حملات الاعتقال لكل فلسطيني "مشبوه" في الداخل، والتضييق على كل فلسطيني متمرد على "الشرعية" في عواصم الخذلان العربي وماشابهها.

المصدر: جريدة السبيل الأردنية
 

مقالات متعلّقة


أضف تعليق

قواعد المشاركة

 

تغريدة عارف حجاوي

twitter.com/aref_hijjawi/status/1144230309812215814 




تغريدة عبدالله الشايجي

twitter.com/docshayji/status/1140378429461807104




تغريدة آنيا الأفندي

twitter.com/Ania27El/status/1139814974052806657 




تغريدة إحسان الفقيه

twitter.com/EHSANFAKEEH/status/1116064323368046593




تغريدة ياسر الزعاترة

twitter.com/YZaatreh/status/1110080114400751616 




تغريدة إليسا

twitter.com/elissakh/status/1110110869982203905 





 

محمود كلّم

أم ناظم: دموعُ الانتظارِ وحلمٌ ماتَ في أحضانِ الغيابِ!

في أزقّةِ مخيّمِ شاتيلا، حيثُ تختلطُ رائحةُ الأرضِ المبتلّةِ بدموعِ المنفى، وحيثُ تروي الجدرانُ قصصاً عن اللجوءِ والمقاومةِ، سكنت … تتمة »


    ياسر علي

    مؤسسة "هوية".. نموذج فاعل في الحفاظ على الانتماء الفلسطيني

    ياسر علي

    جاء المشروع الوطني للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية-هوية في سياق اهتمام الشعب الفلسطيني وأبنائه ومؤسساته بالحفاظ على جذور ه وعاد… تتمة »


    تتقدم مؤسسة العودة الفلسطينية من عمال فلسطين بأطيب الأمنيات وأجلّ التحيات لما يقدمونه من جهد وعمل وتضحية..
صامدون - عاملون - عائدون
    تتقدم مؤسسة العودة الفلسطينية من عمال فلسطين بأطيب الأمنيات وأجلّ التحيات لما يقدمونه من جهد وعمل وتضحية.. صامدون - عاملون - عائدون