تحديات الوعي الجمعي الفلسطيني في ظل تقليصات الأونروا
علي هويدي
كاتب وباحث بالشأن الفلسطينيساهمت أزمة تقليصات "الأونروا" في إعادة تشكيل الوعي الجمعي للشعب الفلسطيني، إذ على الرغم من التباين في الرؤى السياسية بين الفصائل والقوى والأحزاب الفلسطينية الوطنية والإسلامية، إلا أنها التقت وتوحدت على رؤية وهدف إنتزاع الحقوق المشروعة للاجئين من "الأونروا".
بدأت التقليصات بشكل لافت بعد المؤتمر الصحفي للمفوض العام لوكالة "الأونروا" بيير كرينبول في 14/5/2015، وأعلن فيه عن تقليصات حادة ستشهدها الوكالة نتيجة العجز في الموازنة، وتصاعدت مع التقليصات الصحية للاجئين الفلسطينيين في لبنان مع بداية سنة 2016.
إستشعاراً منها لحجم المخاطر السياسية والإنسانية التي يتعرض لها اللاجئون نتيجةً للتقليصات، سارعت القوى السياسية واللجان الشعبية والأهلية والمجتمع المحلي في لبنان إلى تشكيل "خلية أزمة" لمتابعة مجريات الأحداث، لتقدم وبالتجربة نموذج يحتذى به بالمقدرة ليس فقط على إدارة الأزمة مع "الأونروا" ولكن مما يؤهل القيادة السياسية لتشكيل "خلايا" أخرى لإدارة ملفات أخرى معنية بها القوى السياسية والشعبية الفلسطينية وتمس الوجود الفلسطيني في لبنان، لا سيما على مستوى توفير الحقوق الإقتصادية والإجتماعية.
كلما زاد تعنت "الأونروا" وتجاهلها لحقوق اللاجئين، كلما أكتسب اللاجئون مزيداً من الخبرات والمهارات في إدارة الأزمة، وكلما توفر المزيد من مساحة التوافق والإنسجام والتلاقي والتفاعل بين القوى السياسية والشعبية مع البرامج التي تضعها خلية الأزمة تلك التي احتضنها المجتمع المحلي الفلسطيني وأيدها في حراكها السلمي الوسط اللبناني الرسمي والشعبي، وتفاعل مع مطالبها بعض سفارات الدول المانحة، فقد حافظت منذ البداية على منهجية تنوع الحراك السلمي ضمن برنامج غير عشوائي، يتم إعداده بالتوافق مسبقاً يستثني أي تأثير على مطالب وإحتياجات الحياة اليومية للاجئين من العيادات اليومية أو المدارس أو عمال التنظيفات في حراك مستمر تشهد لسلميته الأجهزة الأمنية اللبنانية والمجتمع المحلي اللبناني من الحفاظ على ممتلكات الدولة خلال الإعتصامات أو الإحتجاجات، أو عدم التسبب بأي إزعاج للمواطنين اللبنانيين خاصة في بعض المناطق التي لا يزال البعض فيها يتخذ موقفاً عدائياً من الوجود الفلسطيني في لبنان، كالإعتصام الذي نفذه اللاجئون أمام السفارة الأمريكية في منطقة عوْكر شمال شرق لبنان أو أمام سفارة الإتحاد الأوروبي في بيروت المحاذي لمركز "بيت الكتائب" في منطقة الصيْفي، لا بل حتى ويلجأ المشاركون في الفعاليات وعلى مستوى الصف الأول من القيادة السياسية المُنظِمة إلى المبادرة في تنظيف أماكن الفعاليات.
يشهد الحراك والإحتجاجات تسابقاً محموداً وتنافساً شريفاً في خدمة اللاجئين الفسطينيين، وواحدة من مؤشراتها، المسارعة مع ساعات الفجر الأولى إلى القيام بأنشطة متعددة ضمن مظلة برنامج خلية الأزمة سواءً لإقفال المكتب الرئيس للأونروا في بيروت، أو مكاتب المناطق، أو مكاتب المخيمات، في صورة موحدة قل نظيرها في المدى المنظور من السنوات الماضية، لتتحوَّل مثلاً الساحة الخاصة لركن مركبات "الأونروا" في مدينة صيدا جنوب لبنان التي تنقل الموظفين الى المكتب الرئيسي في بيروت ومناطق أخرى إلى مَحَجَّاً للعديد من القوى والفعاليات اللبنانية والفلسطينية المساندة.
أثبت اللاجئون الفلسطينيون في لبنان ومن خلال حراكهم الحضاري والمنظم، بأن تجربة إدارة الأزمة مع "الأونروا"، يمثل بتقديرنا جولة تدريبية عملية في إدارة الأزمات الكبرى ذات الأهمية القصوى، ووَضَع القيادة السياسية أمام تحدٍ في المستقبل وربما هو الأقوى مع الدولة اللبنانية في إدارة أزمة الحصول على الحق في العمل والحق في التملك، لذلك نعتقد أنه من المفيد جداً أن يجري توثيق هذه التجربة، وتعميمها على بقية مناطق عمليات "الأونروا" وحيثُ أمكن.
أضف تعليق
قواعد المشاركة