بلغت هشاشة الوضع الأمني في عين الحلوة حداً غير مسبوق، بعد أن تحوّل المخيّم إلى برميل بارود قابل للاشتعال في أية لحظة. فشائعة واحدة كانت كفيلة بإشعال اشتباكات وسط استنفار عسكري لـ«عصبة الأنصار» ومن يدور في فلكها من القوى الإسلاميّة، إضافة إلى أنصار «جمعية المشاريع الخيريّة الإسلاميّة» الذين انتشروا حول مكاتبهم ومسجدهم في المخيّم.

وأكّد شهود عيان سقوط 12 جريحاً، بينهم عناصر من القوة الأمنية ومن «الجبهة الشعبيّة» ومن حركة «فتح» ومن أنصار الناشط الإسلامي بلال بدر، إضافةً إلى إصابة عدد من المارة في أزقّة المخيم. وإذ تردّدت معلومات عن مقتل شخص واحد، عُرِف من الجرحى كلّ من: أبو عرسان حجير، أبو مصطفى الداهودي، علي عويد، علي شهابي، ومحمد وفارس قاسم.

واستمرت الاشتباكات حتى الليل، واستعملت فيها الأسلحة الرشاشة والقنابل اليدوية والقذائف الصاروخية التي سمع دويها في أرجاء صيدا.

وكانت الاشتباكات توقّفت حوالي الساعة الخامسة والنصف لساعة واحدة تقريباً، حين انطلقت مسيرة شعبية في أزقّة وطرقات المخيم ضمّت ناشطين من هيئات المجتمع المدني الفلسطيني والقوى الشبابية وأهالي الأطفال المحاصرين، وما رافقها من نداءات لوقف إطلاق النار من مكبرات الصوت من مساجد المخيم.

وتمكّنت المسيرة عند الساعة السادسة من الوصول إلى مناطق الاشتباكات بالقرب من «النداء الإنساني» وسوق الخضار و«مكتب الصاعقة» في الشارع الفوقاني، حيث دارت الاشتباكات ودخلت المسيرة بين المواقع القتالية وفرضت وقفاً لإطلاق النار بعد أن تغلغلت بين المسلحين.

ولكن عند الساعة السادسة والنصف مساءً، عادت الأمور على حالها. فتجدّدت الاشتباكات وأطلق النار فوق المسيرة الشعبية التي تفرقت في زواريب المخيم.

وأشارت مصادر فلسطينية إلى أنّ قذيفة صاروخية سمع دويها في صيدا مساء تبين انها استهدفت مجموعة من المقنعين من أنصار بلال بدر. في حين أفادت مصادر أمنية أن شظايا القذيفة أصابت أربعة عناصر من «مجموعة بدر» تم نقلهم للمعالجة في «مستشفى الأقصى» التابعة لمنير المقدح في المخيم، احدهم جراحه خطرة.

وأكّدت المصادر أن قوة من «عصبة الأنصار» حاولت الفصل بين المسلحين لتثبيت وقف إطلاق النار الذي فرضته المسيرة الشعبية، إلا أنها هي أيضا تعرضت لإطلاق النار ولم تتمكن من عملية الفصل، وتردد عن إصابة احد عناصر المسيرة وسرت شائعة بأنه فارق الحياة، من دون التأكّد منها.

ولكن ما أشعل النار تحت الرماد في وضح النهار كان شائعة تفيد بمقتل الفلسطيني الجريح علاء حجير (المحسوب على بلال بدر) في «مركز لبيب الطبي»، حيث يخضع للعلاج. وبالرغم من أنّ إدارة «المركز» ووالد حجير قد نفيا بشكل قاطع صحة هذه الشائعة وبأنه ما زال يخض للعلاج بشكل منتظم ووضعه مستقر في غرفة العناية المركّزة، إلا أن الشائعة حققت غايتها.

نفي الشائعة لم يقدّم ولم يؤخّر، بل اندلعت الاشتباكات بين أنصار بلال بدر وأفراد من عائلة حجير وعناصر من الاسلاميين المتشددين من جهة، وبين انصار حركة «فتح» والمحسوبين على القيادي الفلسطيني محمود عبد الحميد عيسى «اللينو» من جهة ثانية، لا سيّما أن أنصار بدر يتهمون مجموعة من «فتح» بمحاولة اغتيال حجير.

وحاصرت هذه الاشتباكات مئات التلامذة في المدارس وأرعبت الأهالي، وخلت الأزقّة والطرقات من المارة ولم تنفع كل نداءات الاستغاثة والصرخات المطالبة بوقف إطلاق النار لإنقاذ الأطفال وسحب التلامذة من المدارس. ولم يستطع أطفال إحدى الروضات من مغادرة روضتهم بسبب قربها من مكان الاشتباكات، ما أدّى إلى حالة من الخوف والهلع بين الأطفال، حتى قام بعض الشبان بالعمل على نقلهم إلى «مسجد النور» في الشارع التحتاني، وطالبوا الأهالي باستلامهم من المسجد الذي يعتبر في المنطقة الآمنة.

في المقابل، بقي تلامذة «روضة غسان كنفاني» في جبل الحليب (حيث يوجد مقر لـ«فتح») محاصرين حتى المساء في الروضة وعددهم يزيد عن 250 طفلا، وناشد الأهالي الجيش اللبناني لإنقاذهم وإخراجهم لقربهم من «الروضة».

وتشير المصادر إلى أن سرعة الاستنفار العسكري وغزارة اطلاق النار وبروز ظاهرة القناصة الذين انتشروا في الشارع الفوقاني وفي سوق الخضار وصولا الى الشارع التحتاني وفي اكثر من مكان مع المقنعين، تؤكد أن المعركة كان معداً لها سلفاً، كما أن شائعة وفاة حجير لم تكن وليدة الصدفة، على اعتبار أنّ الأوضاع بين «فتح» و«المتشددين» عبارة عن «قلوب مليانة وليست رمانة».

في حين تحدّثت مصادر لجنة المتابعة عن مساعٍ مكثفة أجرتها «قيادة الفصائل الفلسطينية» من اجل وقف إطلاق النار، إلا أن كل المحولات باءت بالفشل.

من جهته، دعا عضو القيادة السياسية العليا للفصائل الفلسطينية في لبنان «أبو النايف» إلى الضغط الشعبي لإطلاق عمل القوة الأمنيّة الجادة والفاعلة ورفدها بتعزيزات في عدتها وعديدها من اجل تأمين أمن مخيم عين الحلوة.

كما طالب بـ«الالتزام بالوثيقة الفلسطينية التي تم توقيعها بالتوافق من قبل الجميع وتأمين الغطاء السياسي والقانوني لها من قبل السلطة اللبنانيّة».

كذلك، دعت مصادر سياسية فلسطينية إلى توحيد الجهود الفلسطينية بكل مكوناتها لبلورة موقف فلسطيني موحّد لمواجهة جرائم الاغتيال التي تهدف الى توتير الوضع بما يخدم مشروع تهجير اللاجئين الفلسطينيين.

وشدّدت على «ضرورة تشكيل مرجعية موحدة للقوى السياسية الفلسطينية في لبنان، وتشكيل قوة أمنيّة قادرة تستند إلى غطاء سياسيّ وشعبي ولديها صلاحيات كاملة مع العمل الجديّ لرفع الغطاء السياسي عن أيّ مخل بأمن المخيم واستقراره، والإعلان عن تشكيل لجان شعبية موحدة في المخيمات تساهم في تخفيف الاعباء الاجتماعية وتشكل حالة شعبية داعمة للقوة الامنية في المخيمات».

المصدر: محمد صالح - السفير