الشهر الثاني للانتفاضة
د.أيمن أبو ناهية
كاتبحين بدأت الهبة الشعبية اختلفت الآراء بشأن احتمالات استمرارها، أو كونها موجة احتجاج عابرة، ولكن مع مرور الأيام تبين أنها ليست عابرة وإنما هي انتفاضة جاءت نتيجة تراكمات، وتمادي الاحتلال في سياسة الاستيطان ومصادرة الأرض وتهويد القدس، وثبت بالصورة النهائية الواضحة أن المفاوضات وصلت إلى طريق مسدود، وأن الاحتلال قضى على اتفاقات (أوسلو) كلها، وأن المؤسسات الدولية لا تملك حلًّا ممكنًا ولا وقفًا محتملًا لكل ممارسات الاحتلال المدمرة.
واللافت أن الانتفاضة انطلقت من القدس، ويشارك فيها بصور مختلفة وبطريقة مباشرة فلسطينيو الداخل من عام ١٩٤٨م، وقد انطلقت من القدس لأن المدينة جزء من الأرض المحتلة، ولأنها تحتضن المسجد الأقصى الذي تكررت اقتحامات اليهود له من مستوطنين ومسؤولين ووزراء وغيرهم، وللحرم القدسي الشريف مكانة خاصة جدًّا ومميزة في قلوب الفلسطينيين خاصة والمسلمين عامة.
ولا يزال الاحتلال يستخدم القوة بكل صورها ضد هؤلاء الشباب الذين يشكلون عصب الانتفاضة، ويقترح رئيس وزرائه نتنياهو مجموعات من مشاريع القوانين، تسحب الهويات أو تعد عشرات آلاف المقدسيين خلف جدار الفصل خارج القدس وتسحب "المواطنة" منهم، أو إنشاء محاكم خاصة للفلسطينيين فقط، وغير ذلك.
ينسى نتنياهو وكبار أعضاء حكومته من المستوطنين وغلاة المتطرفين أن هؤلاء الذين يقومون بالانتفاضة هم الجيل الثاني أو الثالث الذي ولد تحت الاحتلال واتفاقات (أوسلو) والمفاوضات، وكثيرون منهم من أبناء القدس الذين يعدونها موحدة، وأن أية إجراءات قمع لن توقف تحركهم قبل تحقيق مبتغاهم.
الانتفاضة الفلسطينية دخلت شهرها الثاني، ويتواصل التوتر والاحتقان والغضب في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويتواصل ارتقاء الشهداء والجرحى، والسؤال: أين موقف المجتمع الدولي ومنظمات حقوق الإنسان مما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟، وفي ظل صمت المجتمع الدولي إزاء ما يجري للشعب الفلسطيني نجد ازدواجية المعايير الدولية، خاصة أننا شهدنا خلال السنوات الماضية وحديثًا تحركات سريعة للأمم المتحدة والقوى العظمة النافذة فيها في مناطق مختلفة في العالم، ومنها بعض الدول العربية.
إن ما يجب أن يقال هنا: إن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي قضية مركزية في هذه المنطقة منذ عقود، ولهذا إن إحجام المجتمع الدولي عن التدخل الفاعل لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي غير المشروع، وتمكين الشعب الفلسطيني من ممارسة حقه الطبيعي في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة يثير الاستغراب والاستنكار على حد سواء .
أيضًا أن يقال: إن القضية الفلسطينية التي ظلت عقودًا قضية العرب والمسلمين الأولى لم تعد في مقدمة جدول أعمال قادة الدول العربية والإسلامية، وربما كان ذلك أحد الأسباب وراء التقاعس الدولي .
ولهذا إن المطلوب عربيًّا وإسلاميًّا القيام بالدور المفترض بحكم كون الشعب الفلسطيني جزءًا لا يتجزأ من هذه الأمة العربية -الإسلامية، ودفاعًا عن الحق العربي الإسلامي، وهذا التحرك ينبغي أن يكون فاعلًا وحازمًا لحث المجتمع الدولي على تدخل فاعل لإنهاء مأساة الشعب الفلسطيني، ولتجنيب المنطقة دوامة جديدة من العنف وسفك الدماء، وبذلك الحفاظ على الأمن والاستقرار في هذه المنطقة .
والسؤال الموجه إلى الفصائل الفلسطينية: أين القيادة الموحدة للانتفاضة التي يتغنون بتشكيلها بعد مرور شهر كامل على انطلاقتها؟، فهل أصبحت صعبة المنال في ظل حالة التشرذم والانقسام؟
أضف تعليق
قواعد المشاركة