١٥ أيار.. مؤامرة فصل الروح عن الجسد
لميس ياسين
صحفية وناشطة فلسطينيةيحيي الشعب الفلسطيني بمرارة وألم الذّكرى السّابعة والستين "للنكبة الفلسطينية" ذلك المصطلح الذي لا يمكن ترجمته إلى أيّ لغة في هذا العالم القاسي، بل هو لغةٌ بحد ذاتها حاول البعض طمسها وتغييبها عن أذهان العالم..
هي قصة التراجيديا الأكثر وجعاً عبر التاريخ، حيث تجسّدت مع أول موجة تهجيرٍ وإبعادٍ قسريّ للفلسطينيين عن أرضهم، خسر فيها الشعب الفلسطيني وطنه لصالح إعلان إقامة دولة "الكيان الصهيوني" عام 1948.
سبعةٌ وستون عاماً ولا زالت مشاهد النكبة حاضرة في أذهان الفلسطينيّين عندما أُجبروا على ترك كل ما يملكون، وأصبحوا بين ليلةٍ وضحاها لاجئين يفترشون الخيام في البلدان التي هُجروا إليها، بعد أن حطم الاحتلال أحلامهم ودمَّر مدنهم وقراهم، وسعى الى طمس تاريخهم وحضارتهم الفلسطينية العربية. لكن الأمل بالعودة جعلهم أكثر تمسكاُ بأرضهم، رافضين كل مخططات التوطين أو التعويض في أيّ شتاتٍ كانت...
في مثل هذا اليوم، هزّت جريمةٌ إنسانيّة مروِّعة العالم بأكمله، جريمةٌ ليست بحقّ فردٍ واحد بل بحقّ أرضٍ وشعبٍ بأكمله. شعبٌ طُرد وانتُزع قسراً من أرضه في عمليّةٍ أشبه بفصل الرّوح عن الجسد، كانت حصيلتها تدمير 531 قرية ومدينة وتطهيرها عرقياً، واستشهاد 15 ألف في أكثر من 50 مذبحة موثقة، بالإضافة إلى تهجير 780 ألف، فيما بقي 150 ألف فلسطيني في تلك الأراضي التي سُميت بعد النكبة «أراضي 48» المحتلة.
ومنذ عام 1948 وحتى يومنا هذا ما زالت النكبة مستمرّة، تتشعّب إلى نكبات متتالية، سواء داخل فلسطين أو خارجها، بدايةً ما يتعرض له الفلسطينيون من معاناة في الضفة الغربيّة، واعتداءات يومية على ممتلكاتهم، وما تشهده غزة من حصارٍ وإغلاق للمعابر و حروب متتالية، فضلاً عن الاعتداءات اليومية على المسجد الأقصى ومحاولات التهويد للمقدسات. وصولاً الى المأساة الكبيرة التي يعيشها اليوم فلسطينيو مخيم اليرموك، وهو أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في سوريا.
ذلك المخيّم الذي يُحاصر فيه نحو 12 ألف لاجئ فلسطيني بشكل كامل، ويفتقرون لأدنى مقومات الحياة، حيث يُمنع دخول الغذاء والدواء هذا عدا عن انقطاع الكهرباء الدائم.. هذا الوضع الإنسانيّ المتردّي أدّى إلى استشهاد أكثر من 176 لاجئ من الأطفال والنساء والشيوخ جوعاً نتيجة نقص المواد الغذائية... هي نكبةٌ جديدة يتعرّض لها سكّان مخيم اليرموك، لكن هذه المرّة بأيدٍ عربيّة امتهنت القتل وورثته عن العصابات الصهيونية...
وعلى الرغم من اعتبار النكبة الفلسطينية رمزاً للتّهجير الجماعيّ، والطرد القسريّ لمئات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، إلّا أنها ومن ناحية أخرى ترمز إلى شعبٍ حيّ، يستثمر كل لحظة من حياته للتأكيد على تمسكه بحق العودة إلى أرضه التي هُجر منها..
هي أم البدايات، وأمّ النهايات، كانت تسمى فلسطين، صارت تسمى فلسطين... ويبقى النّسيان عدوّنا الأول، والذاكرة حليفتنا الأقوى في معركتنا مع العدوّ!