"الحسينية".. عندما يقاوم المخيم لانتزاع الحياة!
خاص شبكة العودة الإخبارية
تعيش مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في سورية أيامٌ حالكة دامسة الظلام منذ نحو 4 سنوات. فمن اللاذقية إلى حمص ودمشق وريفها وغيرها من المناطق السورية، تقبع المخيمات هناك شاهدة على ما حلّ بأهلها من ظلمٍ وفراغٍ بات هو السمة الغالبة عليها، بعد مأساة لجوءٍ آخر لا يزال يعيشه الفلسطينيون داخل سورية وخارجها.
وفي هذا الإطار وتسليطاً للضوء على واقع المخيمات الفلسطينية في سورية، تصدر شبكة العودة الإخبارية سلسلة من التقارير التوثيقية، تُفرد لكلّ مخيم من تلك المخيمات تقرير مفصّل يتناول واقعه ومعاناته منذ بداية الأحداث عام 2011 وحتى الآن.
حصارٌ جائر.. وتهجيرٌ ممنهج!
لمخيم الحسينية للاجئين الفلسطينيين في ريف دمشق حكايةٌ مأساويةٌ مضنية ترويها الأحداث الدّامية التي عصفت به مع تصاعد الحرب في سورية واقترابها من المخيم يوماً عن آخر.
يعدّ مخيم الحسينية ثاني أكبر المخيمات الفلسطينية في سورية من حيث عدد اللاجئين الفلسطينيين بعد مخيم اليرموك، والبالغ مساحته الإجمالية حوالي 5 كلم مربّع.
تأثر المخيم بالأحداث الدائرة في سورية بشكل كبير، حيث قام باستقبال النازحين من باقي المناطق المتوترة (حجيرة، الذيابية، البويضة) وفتح لاجئوه بيوتهم لاستقبال جيرانهم كما هو حال المساجد والمدارس فيه.
إلاّ أنّ هذا الأـمر لم يدم طويلاً، فبعد أشهر من اندلاع الأحداث عام 2011 أصبح المخيم مسرحاً للقصف والاشتباكات. حيث كان في البداية يتعرض لبضع قذائف على الأطراف والمناطق المحيطة به، إلاّ أنّ حدّة الاستهداف تزايدت حتى صارت بشكلٍ شبه يوميّ، والحجّة الدائمة هي أنّ المخيم يأوي عناصر من المعارضة السورية المسلحة، رغم نفي الأهالي والمسؤولين لذلك.
وقد تعرّض المخيم عشرات المرّات لقصفٍ بالبراميل المتفجرة والطيران الحربي "الميغ" مما أدّى إلى سقوط عدد كبير من الشهداء تخطى تعدادهم الـ 150، بالإضافة إلى الكثير من الجرحى. والأكثر منهم هم المفقودين سواء الذين اعتُقلوا على مداخل مخيم الحسينية، أو أبناء المخيم الذين اعتُقلوا في قلب العاصمة دمشق، حيث تجاوز عددهم جميعاً 2000 معتقل.
لكنّ الأمر لم ينتهِ عند القصف فحسب، فقد فرضت قوات النظام السوري حصاراً جائراً على المخيم وتم إغلاق جميع مداخله باستثناء مدخل واحد. كما ومنعت إدخال المواد الغذائية إلا بعض الكميات القليلة جداً التي لا تتجاوز 2 كغ من الخبز، ناهيك عن الخطف اليومي. الأمر الذي اضطرّ الكثير من سكان المخيم للنزوح منه إلى مناطق أكثر أمناً أو الهجرة خارج سورية.
إصرارٌ على استعادة المخيم
بقي المخيم على هذه الحال حتى تشرين أول 2013، حيث دخلت قوات النظام السوري ومن معها من فصائل، وأُخلِيَ المخيم من جميع سكانه، فتشتتوا ما بين مهاجر ونازح ومعتقل. كما ومنع جيش النظام أيَّاً من سكانه من العودة إليه.
لكن ونتيجة ضغط الأهالي المستمر للسماح لهم الدخول إلى المخيم، وافقت قوات الأمن لهم الدخول والإطمئنان على منازلهم والخروج فوراً، وذلك بعد استصدار موافقة من الأمن العسكري بصفته المسؤول عن المخيم.
ومؤخراً، ومنذ أيلول (سبتمبر) الماضي، سمح الأمن السوري لأهالي مخيم الحسينية بالعودة لمنازلهم على دفعات وضمن شروط محددة من قبل فرع الأمن العسكري، لكنّ ذلك لم يمرّ مرور الكرام بل صاحبه نحو 40 حالة اعتقال بحق الشباب الفلسطيني.
والذي يميّز مخيم الحسينية عن بقية المخيمات أنه تم قصف جميع مساجده الذي يبلغ عددها 9 مساجد منتشرة في المخيم. فقد تعرضت جميعها للقصف والتدمير الممنهج بعد سيطرة المعارضة على المخيم. وأوّلهم مسجد الصحابي زاهر وهو من أقدم مساجد المخيم تأسس عام 1987 وهو أحد المساجد الذي استمرّت تُقام فيه الصلوات وخطبة الجمعة حتى سقوط المخيم بيد النظام والفصائل الفلسطينية الموالية له.
لقد تحوّل اللجوء إلى خبزٍ يوميّ في حياة الفلسطينيّ، حتى بات الاستقرار حلماً براوده في مخيّلته. فقد دفعت الأحداث في سورية عدد كبير من الفلسطينيين اللّجوء مجدداً خارج سورية. حيث لجأ نحو 52 ألفاً إلى لبنان، و11 ألف إلى الأردن و6000 إلى تركيا وسط ظروف معيشية وقانونية صعبة. هذا عدا عن 36 ألف لاجئ هاجروا إلى أوروبا بطريقة غير نظامية عبر مراكب الموت وتجّار البشر، في زمنٍ صارت فيه الحياة أمنية!
