عائلة عثمان بين أنياب الحرب والفقر والمرض
محمود أبو الحسنى- غزة
الحرب مرّت من هنا في هذا الحيّ الذي تسكن فيه عائلة عثمان، لتعيث فيه خراباً وتنشر رائحة الموت في كلّ مكان. لكن لحسن حظ العائلة أنّ منزل الإسبست الذي تسكنه لم تصبه أيّ من صواريخ الاحتلال المدمّرة، كأنّ الله أعمى أبصارها عنه رأفة بما يحمله من معاناة وقصص ألم..
ففي عائلة عثمان التي تسكن قطاع غزة يأتي الفقر على أكثر من هيئة، حيث يأتي رجلاً، طفلاً، امرأة، ومرض.. هنا الفقر يتربع على موائد الطعام التي لا تسمن ولا تغني من جوع أصحابها. هنا الفقر يتلبس ثياب الأطفال، وينتشر في كلّ زوايا البيت ملتحفاً سقفه ومفترشاً أرضه.
في بيت يكاد ينهار على ساكنيه يعيش المواطن الغزّيّ أبو يوسف عثمان وعائلته، في بيت من الاسبست الحديدي، مكون من غرفة واحدة تتقدمها ساحة ترابيّة صغيرة، جعل منها غرفتا حمام ومطبخ، ولكن دون أدنى معالم تشير إليهما، حيث يفتقد إلى أدنى مقومات الحياة.
بين مخالب المرض
يرثي أبو يوسف حاله وحال عائلته الصحيّة إذ يقول لشبكتنا «أنا مصاب بمرض الصرع منذ مدة طويلة، فحال بيني وبين قدرتي على العمل وممارسة حياتي الطبيعية. وازداد وضعي سوءاً خلال الحرب الأخيرة التي تعرّضنا لها حيث كان الوضع يسوده التوتر والرعب الرهيب».
ويضيف عثمان والألم يعتصره «زوجتي أيضاً أصيبت بكسور في أطرافها السفلية والعلوية في حادث سير جعلها لا تقوى على مساعدتي، ولا على الوقوف لبيتها وأبنائها. وعندي طفل يبلغ من العمر ستة أعوام مصاب بحول في عينيه منذ ولادته، وطفلة أخرى مصابة بأزمة صدرية ولا استطيع علاجهما أيضا، إذ ما باليد حيلة ولا وسيلة».
أول يوم في رمضان
يقسم أبو يوسف ويداه تنتفضان من القهر أنّه لم يجد في أوّل يوم من رمضان ما يسدّ جوع أولاده لا على الإفطار ولا على السحور سوى شربة الماء وبعض فتات الخبز، ليواصلوا الليل بالنهار شبه صائمين.
وعند سؤاله عن الحال التي قضوا فيها أكثر من عشرين يوماً من شهر رمضان، اكتفى عثمان برفع يديه إلى السماء قائلا «أهل الخير ما بقصرو والله بنساش حد».
أما في الأيام العادية يقول أبو يوسف «أغلب الأيام لا نأكل فيها إلاّ وجبة أو وجبتين فقط، وقلما يأتي علينا يوم ونأكل فيه ثلاث وجبات، وهو يوم السعد بالنسبة لأطفالي».
حتى المياه!!
وفي زاوية من زوايا ما يسمى منزلاً ترتع بعض من جالونات المياه الموضوعة جانباً، ظننا حينها أنها مياه للشرب ولطهي الطعام، فكانت الكارثة أن قال أبو يوسف أنها مياه للاستحمام يجلبها من أحد آبار مياه الري القريبة.. فهنا لا فارق بين مياه الشرب ومياه الاستعمال المنزلي!
وعن الكهرباء التي وُجدت بعض أسلاكها ممدة هنا وهناك، بحيث لا تميّز ما إذا كانت أسلاك كهربائية أو حبال لنشر الغسيل يقول عثمان «لا يوجد لدينا اشتراك كهرباء فتطوّع أحد الجيران بتزويدنا بخط كهرباء لإنارة المنزل».
عائلة عثمان هي واحدة من آلاف العائلات الفلسطينية التي تعيش في غزة وذاقت أصنافاً من العذاب والحروب والفقر والحرمان والحصار.. لكن رغم ذلك ترى في وجوههم نضرةٌ من أمل وصمودٍ لا مثيل لهما في أيّ بقعةٍ أخرى من العالم!