الثلوج بفلسطين .. ما بين "هدى" و "سنة الثلجة الكبرى"
على الرغم من أن فلسطين كجزء من بلاد الشام، معرّضة لتساقط الثلوج في كل شتاء في بعض مناطقها المرتفعة، سيما شمال فلسطين المحتلة عام 1948؛ إلا أن بعض السنوات التي شهدت تساقطا كثيفا للثلوج، عم الأراضي الفلسطينية بمجملها، ارتبطت بذكريات كثيرة، وأحيانا بأحداث سياسية.
ومن العبارات الدارجة لدى كبار السن في فلسطين عند حديثهم عن تاريخ النكبة وما بعدها، استخدامهم لمصطلح "سنة الثلجة"، ويقصد بها "الثلجة الكبيرة" عام 1950، والتي عمت عموم فلسطين، وكانت غير مألوفة من حيث قوتها، وجاءت ولما يلملم اللاجئون من نكبة عام 1948 جراحهم.
ويستذكر كبار السن لمراسلنا ثلجة 1950 أكثر من غيرها من "الثلجات"، والتي وقعت بين (4/7-2-1950)، وتعتبر أكثر مرات تساقط الثلوج كثافة على فلسطين خلال القرن العشرين، مع تسجيل ثلجة كبرى أخرى عام 1934، ولكنها لم تكن بقوة ثلجة 1950. وتلاها "ثلجة 1992 الشهيرة".
ذكريات اللجوء و"سنة الثلجة"
ويعود كبار السن من الجيل الأول للاجئين، مع حلول عاصفة "هدى" الثلجية بذكرياتهم إلى حالهم في "الثلجة الكبرى" أو "سنة الثلجة"، والتي حلت عليهم وهم ما زالوا في خيام اللاجئين يتنقلون من قرية إلى أخرى، ولم يستقر بهم المقام بعد، ولا توجد لديهم الحاجيات الضرورية في تلك الفترة لمواجهة الشتاء.
ويشير اللاجئ الحاج محمد موسى عبد الجواد، والذي هجر من بلدة الكفرين المجاورة لحيفا عام 1948: "بعد نكبة عام 1948؛ خرجنا بلا حاجيات، وأول ما سكنا في بلدة عانين، وحين حلت ثلجة 1950، كنا نسكن في غرفة مهترئة مع القليل من الحاجيات".
وأضاف: "عمت الثلوج المنطقة، وعشنا ليال صعبة جدا في الثلوج والبرد الشديد، وكانت أوضاع الناس الاقتصادية في تلك الفترة صعبة للغاية، وقضينا أربعة أيام والثلج ينهمر، ونحن لا نملك سوى بعض الأغطية الخفيفة وقليل من الغذاء".
وأردف: "كانت تلك الثلجة أسوأ ذكريات النكبة، وأكثر الأحداث التي أشعرتنا بمرارة الذل والحرمان، بعد أن كنا هانئين في منازلنا ومضاربنا".
حياة القهر بين الثلوج
وتستذكر اللاجئة خيرية الأمين من إجزم قضاء حيفا، ذكريات الثلجة الكبرى؛ حين دهمتهم وهم يعيشون في أحد الكهوف، ولم يستقروا بعد في أحد المخيمات، حيث اكتووا ببرد الشتاء القارس، وكانوا يجمعون الحطب لكي يوفروا التدفئة لأبنائهم داخل الكهف، قبل أن يستقر بهم المقام لاحقا في مدينة جنين.
وتضيف: "تمنينا الموت مائة مرة على تلك الأيام العصيبة، لم تكن الثلوج مألوفة لدينا، وجاءت تلك الثلجة في ذلك التاريخ الصعب لتزيد معاناتنا".
ولا تزال اللاجئة صبحية المحمود من مخيم الفارعة، تستذكر الذكريات الأليمة لتلك الثلجة، حين اقتلعت خيامهم التي عاشوا فيها فترة اللجوء الأولى في منطقة (جنزور) السهلية على مدخل جنين الجنوبي.
وتقول: "غرقنا في الوحل والطين، وتطايرت الخيام، قبل أن تصلنا شاحنات وكالة الغوث التي وزعتنا على مخيمات نور شمس ومخيم جنين".
وتضيف: "كثيرون من كبار السن منا ماتوا في تلك الثلجة، ولم يكن أحد يسمع بنا ولا بمعاناتنا في تلك الفترة، وكان الناس في جنين في ضائقة في تلك الفترة، وهم أعجز من أن يقدموا لنا شيئا".