الفلسطينيون وترامب.. لغة كوميدية
أحمد القدوة- صحيفة العرب
غابت الأحداث المهمة عن قضية عمرها أكثر من ستة عقود. قادة القضية المركزية اختزلوا مشروعهم الوطني في مجرد صندوق للمعاشات ورواتب للموظفين “العالة” على سلطة تأسست قبل 23 عاما بموجب اتفاق سلام هشّ منذ البداية مع إسرائيل.
تغير الكثير خلال السنوات الماضية. أضحت القضية على الرفوف، لا أحد ينظر إليها إلا لمصلحة ما أو لنبش في ذاكرة الانقسام والبيع والشراء لحسابات وأجندات داخلية وخارجية على حدّ سواء.
الآن ماذا سيتغير مع وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض؟ يبدو أن هناك أحداثا ستكون أكثر ضراوة في الأفق. السياسات الجديدة داخل الولايات المتحدة تبشر بتغيير جذري في العلاقة بين العرب والغرب بصفة عامة. توحي بوجود سيناريوهات مرسومة ومنحوتة على الصخر لتنفيذها في منطقتنا تتلخص بـ”تقسيم المقسم وتفتيت المفتت”.
ترامب الذي يحكم البيت الأبيض بعقلية الجمهوريين وبقرارات سياسية لن ترحم أحدا في منطقة تعج بالمشكلات والأزمات، لن يكون منكفئا على نفسه كما يُخيّل للبعض. الرجل سينطلق إلى أبعد حدود في التدخل بكل كبيرة وصغيرة في الشرق الأوسط.
في ظل هذا الوضع؛ أين قادتنا؟ هم بكل تأكيد نيام في قصورهم ولا يحرّكهم سوى نقصان في ثروة شركة ما خسرت بعض الأسهم.
قضية فلسطين لن تعود إلى الواجهة مادام قادتها وفصائلها وأحزابها منقسمون ومجتمعها متآكلا على وقع حروب السلطة والانتماءات والانتخابات وأموال المساعدات والمعونة الخارجية.
ما يتوقع في عهد ترامب أكثر من مجرّد نقل سفارة وترميم أخرى. وطبيعيا أنه لن تكون هناك مؤتمرات للسلام ذات حجم كبير، لأن الرجل بطبعه لا يؤمن بإمكانية تحقيق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. هو سيحاول عقد لقاءات سرية وعلنية لا تخرج سوى بتنسيق أمني ومكافحة الإرهاب.
يبدو أن مشهد حكم جورج بوش الابن سيتكرر في أكثر من زاوية، ولكن بلغة كوميدية.
النظرة التشاؤمية إلى وضع القضية المقبل سطرته سنوات حكم الجمهوريين للبيت الأبيض. هؤلاء دائما كانوا يتحدثون باستعلاء مع الغير، لا تهمّهم سوى مصلحة إسرائيل في البقاء والتوسع. وهمّهم أيضا عقد صفقات تجارية وعسكرية مع الحلفاء في منطقتنا لإنعاش شركاتهم وحماية مصالحهم.
تل أبيب هي المستفيد الأول من تسلّم الجمهوريين السلطة في البيت الأبيض. ستنفذ خططها الاستيطانية بكل أريحية من دون أي فيتو أميركي. في المقابل ماذا سيفعل الفلسطينيون؟ لا شيء سوى “التنديد والوعيد والتهديد”. لم نخطط لهذه اللحظة بكل تأكيد.
لم نقتنع بعد بأن الولايات المتحدة تحكمها إدارة تخطط وتنفذ وترسم مستقبل بلد بأكمله. مازلنا نرى أن شخص الرئيس وسلوكه في أميركا هما اللذان يحددان السياسات. ونحسب أنهم مثلنا تختصر السلطة بيد “القائد”، هم أبعد منا ونحن بعيدون عنهم.
في الحالة الجديدة صار لزاما على قيادة الشعب الفلسطيني أن تدرك حجم القادم وخطورته على قضية مازالت تراوح مكانها منذ أكثر من ستة عقود. لغة الإنجازات الرمزية انتهت الآن وعلى هذه القيادة أن تخطو نحو الفعل والعمل الصحيح والتواصل مع الجميع بلا استثناء. تواصل دبلوماسي قائم على تعامل الند بالند. تعامل يعيد الحيوية إلى منظمة التحرير وقيادتها.
تصديق كلمة “إنجازات” سيضيع معه كل شيء من الأرض في ظل السيل الجارف من الخطط الاستيطانية. وإن اختزلنا القضية في مجرد مؤتمر للسلام فسنكون قد أوهمنا أنفسنا أننا نحاط بأصدقاء يريدون فعل أيّ شيء من أجل السلام. الصداقات بين الدول قائمة على المصالح. والسلام يتوقف أيضا على ما تقدمه تل أبيب. وعلينا ألاّ ننسى أن السلام مقابل الأرض وليس مقابل الأمن.
الخطوات العملية والواقعية مطلوبة الآن أكثر من أيّ وقت مضى. الرئيس الأميركي الجديد لن يكون فلسطينيا. لن يدافع عن حق الفلسطينيين في العودة والأرض والهوية ولن يكون محايدا في الصراع، فهو صديق الطرف الرئيسي.
إن وصلنا وأقنعنا رجل البيت الأبيض بقدرتنا على تحقيق السلام، عليه أن يقنعنا بعمل إسرائيل لإتمام سلام عادل وشامل في منطقتنا. فحينها ستكون القضية قد تغيرت.