في اليوم العالمي للاجئ.. هل القانون الدولي سلاح الضعفاء؟!
علي هويدي
كاتب وباحث بالشأن الفلسطينيفي العشرين من حزيران (يونيو) من كل عام يحيي المجتمع الدولي "يوم اللاجئ العالمي"، وقد اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار رقم 76/55 في 4/12/2000، وبدأ التطبيق عملياً في 20/6/2001 تزامناً مع الاحتفال بيوم اللاجئ الإفريقي، وذكرى مرور 50 سنة على اتفاقية العام 1951 الخاصة بوضع اللاجئين. وفي كل سنة يجدد الأمين العام للأمم المتحدة دعوته المجتمع الدولي إلى "تكثيف ما يبذله من جهد لمنع نشوب النزاعات وحلها وللمساعدة في تحقيق السلام والأمن حتى تتمكن الأسر من لمّ الشمل ويتمكن اللاجئون من العودة الى ديارهم".
وجاء القرار بهدف التذكير سنوياً بقضية اللاجئين ومعاناتهم على مستوى العالم..، ويشكل اللاجئون الفلسطينيون العدد الأكبر بين اللاجئين في العالم، ليصل الى أكثر من سبعة ملايين لاجئ هم حوالى 73% من عدد الفلسطينيين البالغ أكثر من 11 مليون نسمة، والأقدم بين اللاجئين حيث مضى على نشوئها أكثر من 66 سنة، وتعتبر كذلك الأهم بين قضايا اللاجئين، حيث أكدت الأمم المتحدة على وجوب تنفيذ القرار 194 القاضي بتطبيق حق العودة للاجئين الفلسطينيين لأكثر من 135 مرة.
يلي قضية اللاجئين الفلسطينيين، لاجئو أفغانستان ثم الصومال ثم العراق ثم السودان ثم سورية..، لكن هل أنصفت الأسرة الدولية الممثلة في الأمم المتحدة قضية اللاجئين الفلسطينيين، كما أنصفت غيرها من قضايا اللاجئين في غواتيمالا وكمبوديا وكوسوفا وموزمبيق وروندا وتيمور الشرقية وغيرها..؟ حيث استطاعت أن تعيد أكثر من عشرة ملايين لاجئ من تلك الدول فقط خلال عشر سنوات في تسعينيات القرن الماضي، فهل تعجز بعد حوالى سبعة عقود من تطبيق حق عودة 935 ألف لاجئ فلسطيني، طردوا من فلسطين بفعل سياسة التطهير العرقي الذي مورس عليهم من قبل العصابات الصهيونية في العام 1948، وأصبح عددهم الآن أكثر من سبعة ملايين؟!
السياق الذي تعاطت معه الأمم المتحدة في فرض تطبيق القرارات والقوانين المتعلقة بـ"إسرائيل" يثبت بأن المؤسسة الأممية تتّبع سياسة الكيل بمكيالين، ولا قيمة أو أهمية للقرارات أو للقوانين الصادرة عنها لدى الاحتلال.. والنماذج تكاد لا تحصى، وعلى سبيل المثال لا الحصر، ما كانت "إسرائيل" لتنسحب من جنوب لبنان في العام 2000، تطبيقاً للقرار 425 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في العام 1978، إنما بسبب مقاومة الاحتلال، ولم تكن لتنسحب من غزة في العام 2005، تطبيقاً لجزء من القرار 242 الصادر في تشرين الثاني (نوفمبر) من العام 1967، وإنما أيضاً بفعل المقاومة، ولم تكن لتفرج عن الأسرى إلا بفعل المقاومة، وأسر الجنود من فِعل المقاومة، ولم تحترم قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي بعدم شرعية جدار الفصل العنصري، ولا تحترم القرارات الأممية التي تدعو إلى عدم بناء المستوطنات في الضفة وتعتبرها مخالفة للقانون الدولي، ولا تزال تمنع أكثر من 300 ألف فلسطيني مهجر داخل فلسطين المحتلة عام 48 حيث يشملهم القرار 194 الذي صدر عن الجمعية العامة في 11/12/1948، وتمارس الاعتقال الإداري بحق الأسرى الفلسطينيين، وهذا منافٍ ومخالف لأحكام القانون الدولي، وتعتقل الأطفال وتنتهك حقوق الإنسان الفلسطيني بشكل يومي، ولا تمارس دورها القانوني كدولة احتلال بتوفير كل ما يلزم من احتياجات الفلسطينيين من ماء وكهرباء وبنى تحتية. ولا تلتزم بالقرارات التي تدعوها إلى الانسحاب من الأراضي الفلسطينية أو السورية أو اللبنانية المحتلة منذ عقود..
الحديث يطول ولا يتوقف عن الإنتهاكات اليومية الصارخة من قبل الإحتلال الاسرائيلي للقوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية وأمام سمع وبصر المجتمع الدولي!.. ويبقى السؤال الجوهري ماذا فعلت الأمم المتحدة تجاه هذه الانتهاكات؟ وهل بالفعل اتخذت من الإجراءات العقابية بحق دولة الاحتلال بما يتكافأ مع حجم الجُرم المُمارس، وما الذي يجعل هذه المؤسسة الدولية "تغض الطرف" عن هذا النوع من الانتهاكات جهاراً نهاراً؟ لا بل إن بعض الدول –وللأسف- أجرت تعديلات على قوانينها كبلجيكا وإسبانيا وبريطانيا حتى لا تتم ملاحقة مجرمي الحرب من قادة الاحتلال سواءً بعد ارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا أو الاعتداء على قطاع غزة وغيرها من الجرائم المرتكبة بحق الفلسطينيين..
الجواب بكل بساطة، من يمتلك القوة يمتلك الاحترام ويحقق الإنجازات، والاحتلال يشكل النموذج السيئ لاستخدام هذه القوة وهذا النفوذ. من يعتقد أن القوانين والمعاهدات والقرارات الدولية وحدها ستعيد لاجئاً واحداً إلى دياره وممتلكاته التي طرد منها إبان النكبة في العام 1948 يكون واهماً، وهذا بدون أدنى شك سيكون سلاحاً الضعيف القاصر، فقد تحولت اللغة القانونية وفق الكثير من المراقبين والمتابعين إلى لغة خشبية جافة، ليس لها تأثير منهجي على أرض الواقع طالما أنها لا تمارس على الجميع وبدون تمييز، لا بل أن اللجوء إلى تلك القرارات وحدها كان كفيلاً بتمادي الاحتلال، وتنكّره أكثر فأكثر لعودة اللاجئين الفلسطينيين، خاصة بعض أن طرح مسألة "يهودية الدولة" وتبادلٍ للأراضي وللسكان، في تحدٍ سافر للمجتمع والإرادة الدولية..
يمكن للقوانين الدولية أن تتحول إلى علاج ناجع، وسلاح فتاك لاستعادة الحقوق، إذا تم تطبيقها بشكل موضوعي وعلمي على الجميع، لا سيما على المؤسسة الإسرائيلية، ومن ساندها وأيّدها منذ وعد بلفور في العام 1917 وثبات بطلان الوعد المشؤوم، مروراً بعدم إنصاف الفلسطينيين إبان الانتداب البريطاني على فلسطين عام 1918 حتى يومنا هذا..
لذلك نعتقد بأن ردم الفجوة العميقة، وبناء جسور الثقة بين الحالة الشعبية على المستوى العام، والشعب الفلسطيني على المستوى الخاص وبين المؤسسة الدولية مرهون بالمؤسسة وحدها.. لا سواها، وإلا فسيبقى القانون الدولي سلاح الضعفاء..