غزة: نحو مئة شهيد معظمهم من الأطفال والنساء وتدمير ألف وحدة سكنية
تمارس قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة ما اتقنته في حروبها من سياسة الأرض المحروقة في اعتداءاتها ضد الفلسطينيين خصوصاً والعرب عموماً، فخلال 4 أيام من عدوان «الجرف الصامد» ضد القطاع، لامس عدد الشهداء المئة معظمهم مدنيون وعدد كبير منهم من الأطفال والنساء، فضلا عن تدمير نحو ألف وحدة سكنية بشكل كلي أو جزئي.
ودفعت هذه الأرقام، المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة نافي بيلاي إلى القول أمس إن لديها شكوكا جدية في أن العملية العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة تتماشى مع القانون الدولي الذي يحظر استهداف المدنيين ومنازلهم.
تطورات ميدانية
فقد قال مسؤولون فلسطينيون إن 11 فلسطينيا استشهدوا حتى مساء أمس في رابع أيام العدوان الإسرائيلي على غزة ليرتفع عدد الشهداء في القطاع الساحلي إلى 96 على الأقل معظمهم مدنيون.
وقال مسؤولون طبيون في غزة إن من بين إجمالي الشهداء الذين سقطوا في الغارات الجوية الإسرائيلية المستمرة منذ يوم الثلاثاء قتل 74 مدنيا على الأقل بينهم 23 طفلا.
وأسفرت غارة جوية على منزل في مدينة غزة عن استشهاد رجل وصفه مسؤولون فلسطينيون بأنه طبيب وصيدلي. وقال مسعفون وسكان إن طائرة إسرائيلية قصفت أيضا منزلا من ثلاثة طوابق في مدينة رفح الجنوبية فقتلت خمسة أشخاص.
وكثيرا ما استهدفت الهجمات منازل من بينها منازل نشطاء. وتدوي أصوات انفجارات باستمرار في القطاع.
وقال الفلسطينيون إن دبابات إسرائيلية أطلقت قذائف شرقي رفح وإن قوات بحرية قصفت مجمعا أمنيا في مدينة غزة بينما قصفت طائرات مواقع قرب الحدود مع مصر وإسرائيل.
وقال وزير الأشغال العامة والإسكان الفلسطيني مفيد الحساينة إن نحو 282 وحدة سكنية هدمت بشكل كلي جراء القصف الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة.
واضاف أن 8910 وحدات أخرى هدمت بشكل جزئي منها 260 لا يصلح للسكن.
وفي مواجهة غزو بري إسرائيلي محتمل حذر نشطاء فلسطينيون شركات الطيران العالمية من أنهم سيستهدفون مطار بن غوريون الرئيسي في تل أبيب بالصواريخ.
وتسبب صاروخ فلسطيني في أول إصابة خطيرة لإسرائيلي كان من بين ثمانية أشخاص أصيبوا عندما قصف صهريج للوقود في محطة بنزين بمدينة أسدود الواقعة على بعد 30 كيلومترا إلى الشمال من غزة.
وقالت «كتائب عز الدين القسام« الجناح العسكري لـ»حماس« إنها ستستهدف مطار بن غوريون الدولي في إسرائيل بالصواريخ وحذرت شركات الطيران من استخدامه.
وقالت «كتائب القسام« في بيان «نظرا لما تقوم به القوات الاسرائيلية من اعتداءات ارهابية على اهالي قطاع غزة... فإننا في كتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس قررنا الرد على العدوان الاسرائيلي... واننا بهذا الخصوص نحذركم من تسيير رحلات من والى مطار بن غوريون الاسرائيلي الذي سيكون أحد أهدافنا منذ اليوم لأنه يحتوي على قاعدة عسكرية جوية«.
ولم تتسبب الهجمات الصاروخية على إسرائيل في وفيات لأسباب منها نظام القبة الحديدية الدفاعي الإسرائيلي الذي مولت الولايات المتحدة جانبا منه. لكن الاحتماء في الملاجئ أصبح تصرفا اعتياديا لمئات الالاف من الإسرائيليين في حين قال مسؤولون إسرائيليون إنهم قد يأمرون بتوغل قوات في قطاع غزة وهو شريط ساحلي يمتد لمسافة 40 كيلومترا ويعيش فيه نحو مليوني شخص.
وذكر الجيش الإسرائيلي أنه شن هجمات جديدة من الجو والبحر في وقت مبكر اليوم الجمعة على غزة دون أن يقدم مزيدا من التفاصيل.
وقال رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي الجنرال بيني غانتس إن قواته مستعدة للتحرك إذا اقتضت الحاجة.
وتشير تصريحات غانتس إلى استعداد إسرائيل إلى إرسال دبابات وقوات برية مثلما فعلت عندما غزت القطاع لمدة أسبوعين في مطلع 2009. وأضاف للصحافيين «نقوم بهجوم ونحن مستعدون لتوسيعه بقدر ما هو مطلوب وإلى أي مكان مطلوب وبأي قوة مطلوبة ولأي مدة مطلوبة«.
ويقول الجيش الإسرائيلي إن نحو 20 ألفا من جنود الاحتياط تمت تعبئتهم بالفعل.
بيلاي ومنظمات حقوقية
في جنيف، قالت المفوضة السامية لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة نافي بيلاي امس «تلقينا تقارير مزعجة بشدة بأن الكثير من القتلى المدنيين وبينهم أطفال سقطوا نتيجة لهجمات على منازل. تثير مثل هذه التقارير شكوكا جدية بشأن مدى مراعاة الهجمات الإسرائيلية للقانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان«.
ودعت بيلاي أيضا الجماعات الفلسطينية المسلحة إلى الالتزام بالقانون الدولي وأشارت إلى أن المعدات العسكرية يجب ألا توضع في مناطق مكتظة بالسكان ويجب ألا تنطلق هجمات من هذه المناطق.
وقالت إن استهداف منازل المدنيين يعد انتهاكا للقانون الإنساني الدولي إلا إذا كانت هذه المنازل تستخدم في أغراض عسكرية.
واضافت بيلاي «سارت إسرائيل وحماس والجماعات الفلسطينية المسلحة في غزة على هذا الدرب من قبل ولم يسفر إلا عن قتل ودمار وانعدام للثقة وإطالة مؤلمة للصراع.»يتحمل المدنيون هذه المرة مجددا عبء الصراع«.
وقالت رافينا شامداساني المتحدثة باسم بيلاي في مؤتمر صحافي بجنيف إن 21 طفلا فلسطينيا على الأقل و11 امرأة بين ضحايا القصف الاسرائيلي بينما أصيب تسعة من المدنيين الإسرائيليين أثناء فرارهم إلى الملاجئ هربا من صواريخ حماس.
وعلى صعيد متصل ناشدت منظمة الصحة العالمية في بيان لها في جنيف امس الدول ومجتمع المانحين لتوفير تمويل عاجل لمنع انهيار الخدمات الصحية في الاراضي الفلسطينية المحتلة.
وقالت المنظمة ان التصعيد الاخير للعنف في قطاع غزة يثير القلق حول قدرة الحكومة ووزارة الصحة في الاراضي الفلسطينية لمواجهة العبء المتزايد وحالات الطوارئ التي تضغط على النظام الصحي نظرا لارتفاع مستويات النقص في الادوية والمستهلكات الطبية وامدادات الوقود للمستشفيات وارتفاع ديون المؤسسات الصحية.
وفي لندن، دعت 34 منظمة انسانية دولية في بيان مشترك امس الى وقف لاطلاق النار والى احترام حقوق الانسان في قطاع غزة.
وصدر البيان عن منظمات «عمل لمكافحة الجوع» و»كير» و»سيف ذي تشيلدرن» و»اوكسفام» وثلاثين منظمة غير حكومية اخرى من ايطاليا وسويسرا او اليابان تطلب من الفلسطينيين والاسرائيليين ايجاد حل دائم لوضع حد لنزاعهم «لكي يلقى ضحايا هذه المعارك الحماية من اعمال العنف واحترام حقوقهم وحاجياتهم».
وقالت المنظمات الـ34 في البيان «في حين يقتل مدنيون في قطاع غزة بسبب الغارات الجوية الاسرائيلية وتتضرر وتدمر المنازل والمدارس وشبكات المياه، وفي حين يستمر اطلاق الصواريخ من قبل الفلسطينيين على اسرائيل، نطلب مجددا وقفا لاطلاق نار».
والمنظمات جزء من تجمع وكالات للتنمية الدولية مقره لندن ويعد 70 عضوا. وكل هذه المنظمات ناشطة في فلسطين.
ردود فعل دولية وعربية
في ردود الفعل على العدوان الإسرائيلي على غزة، قال رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان إن القصف الإسرائيلي لقطاع غزة يعوق الجهود الرامية لإصلاح العلاقات التي تضررت بهجوم قوات إسرائيلية خاصة على سفينة تركية كانت تتحدى الحصار المفروض على القطاع سنة 2010.
وقال إردوغان في كلمة بمدينة يوزجات بوسط تركيا في ساعة متقدمة ليل الخميس «لا يمكننا التطبيع. لابد من انتهاء هذه الوحشية أولا«. وأضاف «ومادام هذا لا يحدث لن يتسنى تطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل«. ودعا إلى استئناف وقف إطلاق النار.
وقالت السفارة الفلسطينية في تركيا إن إردوغان عبر عن تعاطفه وقلقه في محادثة هاتفية جرت اول من امس مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس مشيرة إلى أن الرجلين سيجتمعان في تركيا الأسبوع القادم.
وأضافت أن تركيا أبدت استعدادها تقديم المعونات الغذائية والطبية العاجلة لغزة مشيرة إلى أن الاستعدادات تجري على قدم وساق لتسليم معونات.
وقال الرئيس التركي عبد الله غول في حديثه للصحافيين في العاصمة التركية أنقرة بعد صلاة الجمعة إن مثل هذه الخطوة «تبث بذور الكراهية في المنطقة«.
وفي القاهرة، قال بيان لوزارة الخارجية «ترفض مصر تماما التصعيد الإسرائيلي غير المسؤول في الأراضي الفلسطينية المحتلة والذي يأتي في إطار الاستخدام المفرط وغير المبرر للقوة العسكرية وما يترتب عليه من إزهاق لأراوح المدنيين الأبرياء«.
وأضاف البيان أن مصر تطالب إسرائيل «بضبط النفس وتحكيم العقل... أخذا في الاعتبار أنها قوة احتلال عليها التزامات قانونية وأخلاقية لحماية المدنيين«.
وتابع بيان الخارجية المصرية «تهيب مصر بالمجتمع الدولي سرعة التدخل وتحمل مسؤوليته للعمل على إنهاء هذا العدوان والحيلولة دون سقوط المزيد من الضحايا«.
وتضمن بيان مصر استنكارا لما قال إنها «سياسات الفعل ورد الفعل غير المسؤولة» مشيرا فيما يبدو إلى خطف ثلاثة طلاب إسرائيليين وقتلهم في الضفة الغربية وهو عمل ألقت إسرائيل باللائمة عنه على حركة المقاومة الإسلامية (حماس) التي تدير قطاع غزة.
وبحث وزير الخارجية المصري سامح شكري مع نظيره الفرنسي لوران فابيوس، تطورات الأوضاع في الاراضي الفلسطينية، وسبل وقف العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.
وقال المتحدث الرسمي باسم الخارجية المصرية بدر عبد العاطي في بيان، إن «الوزير شكري أكد الجهود والاتصالات المكثفة التي تجريها مصر مع كافة الأطراف المعنية، والقوى الإقليمية والدولية المؤثرة، للعمل على وقف الاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني«.
وأضاف: «لقد طالب الوزير فرنسا والاتحاد الأوروبي بالتحرك الفوري لدى الجانب الإسرائيلي لوقف التصعيد، وتحكيم العقل وضبط النفس، ووقف العمليات العسكرية في حق المدنيين الأبرياء من الشعب الفلسطيني، ونوه إلى حالة الغضب التي تجتاح الشارع العربي بسبب استهداف المدنيين، مؤكدا مسؤولية المجتمع الدولي من هذا العدوان«.
وقال مصدر عسكري مصري امس، إن القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربي المصري الفريق أول صدقي صبحي أصدر أوامره بإرسال 500 طن من المواد الغذائية والمستلزمات الطبية لأهلنا في قطاع غزة، وذل «في إطار الدور التاريخي المستمر والمتواصل لدعم الشعب الفلسطيني«.
وقالت مصادر أمنية في معبر رفح الحدودي مع القطاع إن 11 مصابا فلسطينيا دخلوا الأراضي المصرية مساء الخميس بعد فتح استثنائي للمعبر وإن ثمانية منهم نقلوا إلى مستشفيين في القاهرة للعلاج من إصابات خطيرة وقالت وكالة الأنباء الرسمية إن الجيش المصري سيقدم مساعدات غذائية وطبية.
وأوضحت المصادر في معبر رفح إن ثلاثة مصابين فلسطينيين حالاتهم أقل خطورة نقلوا إلى مستشفى العريش العام بمدينة العريش عاصمة محافظة شمال سيناء المتاخمة للقطاع بعد كشف طبي أولي عليهم في المستشفى العسكري بالمدينة.
وقال مصدر لوكالة «رويترز« إن 400 مسافر بينهم 70 مصريا سمح لهم بالمرور من المعبر إلى مصر خلال فتحه استثنائيا. وأضاف «من المنتظر السماح بدخول مساعدات طبية لغزة غدا (اليوم السبت) من المعبر«.
وتلقى وزير الخارجية القطري خالد بن محمد العطية وزير الخارجية اتصالاً هاتفياً من من وزير الخارجية الأميركي جون كيري، جرى خلال الاتصال بحث الأوضاع الجارية في قطاع غزة.
المصدر: رويترز، أ ف ب، وفا، وام، قنا
